السؤال
لماذا لم يغضب سيدنا إبراهيم عليه السلام من أبيه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وأسوة الدعاة والأتقياء، وهو من أولي العزم من الرسل بعثه الله تعالى بعقيدة التوحيد الخالص، وأمرنا بالاقتداء به عليه السلام هو والذين معه.
قال تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده) [الممتحنة:4].
فإبراهيم عليه السلام اسوة لنا في دعوته إلى التوحيد، وفي حواره اللين مع أبيه وحجته العقلية الدامغة مع قومه عباد الأصنام، كل ذلك قصه علينا القرآن الكريم بأسلوب رائع يأخذ الألباب، ولم يغضب سيدنا إبراهيم ولم يتشنج في خطابه، لأنه يقف على أرضية صلبة ولقوة منطقه وقوة حجته وصدق براهينه، ولأنه قدوة للدعاة من بعده، فينبغي أن تتعلموا هذا الأسلوب، ولأن خطاب الوالدين يجب أن يكون بأسلوب رقيق، ولا يخفى عليك أن الله تعالى أوصى بهما في غير ما آية، وفرض برهما وطاعتهما في غير معصية: (ووصينا الأنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) [العنكبوت: 8].
وقد حاور إبراهيم أباه بأدب ووقار، قال تعالى: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا*إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا* يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا*يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا*يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) [مريم:41-45].
فيرد عليه أبوه بتشنج وقسوة وتهديد: (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) [مريم:46]. فيرد عليه إبراهيم بلين ورفق: (قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) [مريم:47].
يرد على التهديد بالدعاء والاستغفار له رغم كفره وضلاله، وهذا ما ينبغي أن يتعلمه الأبناء ليعرفوا كيف يخاطبون آباءهم ولو أخطئوا في حقهم، وما ينبغي أن يتعلمه الدعاة إلى الله تعالى.
والخلاصة: أن إبراهيم لم يغضب لأنه يخاطب أباه، ولأنه أسوة للأجبال المؤمنة من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تنبيه: لا يجوز أن يستغفر المؤمن للكافر ولوكان أباه، وما وقع من إبراهيم من ذلك بين الله سببه فقال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) [التوبة:114].
والله أعلم.