ترك التداوي.. رؤية شرعية

0 270

السؤال

عمري 49 عاما, ومصاب بشلل الأطفال منذ صغري, وقد قدمت استقالتي من عملي لإصابتي بكسور بساقي, ودائما موجود بالمنزل, وأحفظ نصف القرآن الكريم, وقد حفظته عندما كان عمري 16 عاما, ثم أكملت حفظه عندما كان عمري 23 عاما, ثم توقفت فترة طويلة - للأسف - عن المراجعة, وأيضا عن القراءة, ثم عدت وقمت بمراجعته كاملا بعد حوالي عشر سنوات, ولكن للمرة الثانية توقفت عن المراجعة والقراءة, ومنذ 5 سنوات قمت بمراجعة القرآن الكريم كاملا, ووفقني الله للتعرف على أخ فاضل وحاصل على إجازة في القراءات العشر, ويجيز الحافظين لكتاب الله الكريم, وبالرغم من ظروفي الصحية إلا أنني صممت على الذهاب إليه في المسجد, وعندما شعر بتصميمي على إتمام القراءة حفظا بين يديه قرر أن يأتيني إلى منزلي لإراحتي من عناء الذهاب إلى المسجد, والحمد لله أجازني برواية حفص عن عاصم التي أحفظ بها.
وللأسف توقفت من جديد عن مراجعة وتثبيت حفظ القرآن الكريم, وكلما بدأت بمراجعة جزء والتصميم على الإكمال أعود وأتوقف من جديد, مع العلم أن الله يسر لي سرعة المراجعة؛ حيث أستطيع مراجعة أكثر من جزء أو اثنين يوميا.
وبالنسبة للصلاة: فأنا أحافظ عليها - والحمد لله - منذ كان عمري 16عاما, ولكني مررت بتجربة سيئة جدا توقفت على إثرها عن الصلاة نهائيا لمدة أربعة أيام متتالية, وامتنعت فيها حتى عن الطعام والشراب, ووصلت إلى مرحلة يأس شديدة, ولكني عدت إلى الله سريعا بعد أربعة أيام, وقمت بصلاة الأيام الأربعة التي تركتها, ولكني أصبت بحالة إحباط شديدة, وكان عمري 32 عاما.
هذا باختصار أهم ما أحببت توضيحه لفضيلتكم لطرح سؤالي الذي هو: أنني الآن كلما شعرت بآلام وسألت عنها طبيبا أعرفه فينصحني بالذهاب إلى الطبيب المختص, فأشعر بداخلي بنوع من البهجة لاحتمال وجود مرض ينهي حياتي – للأسف - وعندما أذهب للفحص الطبي أجد أن تقرير الطبيب يأتي على عكس ما تمنيت, ويقول لي: ليس بك شيء, وأنت بصحة جيدة جدا؛ فأحزن بداخلي لذلك؛ لأنني أتمنى الوفاة بصدق, ومنذ عدة أيام أصبت بارتفاع وانخفاض في الضغط, وعندما ذهبت للطبيب المختص وبعد الفحص الدقيق أفادني بأنني بصحة جيدة, وأعطاني دواء وحيدا للضغط, وأنا أريد أن أوقف العلاج بغير تصريح من الطبيب؛ لشعوري المتمكن مني بأنني أريد ترك هذه الحياة, ليس لمرض الشلل ولكن لمعاملات الناس, ومنهم - للأسف -إخوتي الأشقاء وغير الأشقاء, علما بأنني متزوج ومعي أبناء, وكل ما أخشاه الآن هو انتقام الله مني على عدم شكر نعمه, ورفضي للحياة, وعدم صبري على ما ألاقيه.
وأقسم لكم بأنني أناجي ربي ليلا بقلبي وأقول: إنني صبرت على الشلل أكثر من 45 عاما, ولا أريد أن يضيع صبر هذه السنوات في أواخر العمر بعدم صبري على ما سواه.
أعتذر للإطالة, وأنتظر نصائحكم الكريمة - جزاكم الله خيرا -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا يجوز تمني الموت جزعا وتسخطا من أقدار الله، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي" أخرجه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت، إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب". أخرجه البخاري, وانظر الفتوى: 31194

والامتناع عن الدواء إن كان يؤدي إلى الهلاك فتركه حينئذ محرم؛ لقوله تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما {النساء:29}، قال ابن تيمية: "قد تنازعوا في التداوي هل هو مباح أو مستحب أو واجب؟ والتحقيق: أن منه ما هو محرم, ومنه ما هو مكروه, ومنه ما هو مباح؛ ومنه ما هو مستحب, وقد يكون منه ما هو واجب, وهو: ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره, كما يجب أكل الميتة عند الضرورة فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء, وقد قال مسروق: من اضطر إلى أكل الميتة فلم يأكل حتى مات دخل النار, فقد يحصل أحيانا للإنسان إذا استحر المرض ما إن لم يتعالج معه مات, والعلاج المعتاد تحصل معه الحياة كالتغذية للضعيف, وكاستخراج الدم أحيانا. اهـ. وانظر الفتوى: 99798.

فعليك أخي أن تصبر على ما قدره الله عليك، وابتعد عن الجزع والتسخط على قضاء الله، واعلم أن الله سبحانه أرحم بالعبد من نفسه، وأن كل ما يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير له, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له أخرجه مسلم.

والعبد قد تكون له منزلة عظيمة عند الله لا يبلغها إلا بالمصائب, وإن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده, ثم صبره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى. أخرجه أبو داود وصححه الألباني، والجزع لن يرفع المصاب عن العبد، بل سيحرمه أجر الصبر، وهذه المصيبة العظمى, وراجع الفتويين: 139774 152655.

والله أعلم. 
 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة