السؤال
ياشيخ: وعد الله باستجابة الدعاء وتفريج الهم وتفريج الكرب وأن لاشيء يصعب ويعجز عنه الله، لكنني أدعوه فلا أجد استجابة وأتوكل ولا أجد ما يحصل للمتوكل، وسابقا خرجت من المنزل وقلت توكلت على الله فتعرضت لمشكلة، أرجوك يا شيخ أجب بالحق لأرتاح من الوسواس الذي يقول دعوت ولم يستجب لك، فكيف أصدق الله سبحانه، وهل بكلامي هذا خرجت عن الإسلام؟ أريد الجواب الشافي والحقيقي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي أن المرء ينبغي أن يشك في نفسه وعقله قبل أن يشك في ربه ونبيه وما قالاه، وعلى المسلم أن يبحث في نفسه عن السر في عدم استجابة الله لدعائه، فالله قد قال: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {غافر: 60}.
وهذا حق وصدق لكن ما هي حقيقة الاستجابة؟ حقيقتها أن الله تعالى يستجيب للعبد فيما يريد هو سبحانه لا فيما يريده العبد، وفي الوقت الذي يريده هو سبحانه لا في الوقت الذي يريده العبد، وفيما يعلم سبحانه أن به الخير للعبد لا فيما يظن العبد أنه هو الخير له، قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون { البقرة: 216}. وقال: وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما { الإنسان: 30}.
كما أن أوجه الإجابة للدعاء تتنوع، كما في سنن الترمذي من حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل إذا نكثر، قال الله أكثر. قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
كما أن للدعاء موانع تمنع من إجابته، ومنها الاستعجال في الدعاء، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري قال صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: قال بعض الأئمة: قوله يستجاب لأحدكم ـ يحتمل الوجوب والجواز، فإن كان الخبر الأول فلابد من إحدى الثلاث، فإذا عجل بطل وجوب أحدها وتعرى الدعاء عن جميعها، وعلى الجواز تكون الإجابة بفعل ما دعا ويمنعه من ذلك استعجاله، لأنه من ضعف اليقين، وينبغي أن يدعو وهو موقن بالإجابة وبقلب حاضر، وقال أيضا: والدعاء إنما وضع لمزيد التذلل وإظهار الافتقار والاحتياج، وفي الحديث: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل أي، بل ينبغي الإلحاح في المسألة لما في الحديث أن الله يحب الملحين في الدعاء، ولا تيأس من الإجابة ولا تيأس من الرغبة، فمن فعل ذلك لم يحرم من إحدى الثلاث، وهي إما الإجابة، أو دفع الشر بقدرها أو تأخيرها للآخرة.
وانظر فتوانا رقم: 63158.
وعليه، فاتق الله في نفسك وظن بربك خيرا، فقد يكون ثواب الدعاء مدخرا لك في الآخرة، أو صرف عنك بسببه بعض المصائب والبلايا، أو يكون حصول الأمر المذكور لا مصلحة لك فيه، بل الخير في عدمه، قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء: 19}.
أو أخر إجابته إلى وقت يعلمه سبحانه, أو حالت دونه الموانع من قبل نفسك.
والله أعلم.