قدر الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض

0 593

السؤال

أحد الباحثين في الإعجاز العلمي يقول إن خلق الله للسموات والأرض في ستة أيام ليست أياما كأيامنا التي نحسبها بتعاقب الليل والنهار ولكنها ستة أيام بمقاييس أخرى. فما حكم ذلك هل هو من الخلاف السائغ أم لا ؟ علما بأنه يعتقد بعقيدة السلف كما أعلم عنه.
وما مدى صحة الحديث الذي قال فيه رسول الله عليه الصلاة و السلام ( خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع ، وخلق يوم الأربعاء الشجر ، والماء ، والمدائن ، والعمران ، والخراب ، وهذه الأربعة " . قال : " أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين { 9 } وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين { 10 } سورة فصلت آية 9-10 " لمن سأل , قال : " وخلق يوم الخميس السماء ، وخلق يوم الجمعة النجوم ، والشمس ، والقمر ، والملائكة ، إلى ثلاث ساعات بقيت منه ، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاث ساعات الآجال من حي ومن يموت ، ومن مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ، وفي الثالثة آدم ، وأسكنه الجنة ، وأمر إبليس بالسجود ، أخرجه منها في آخر ساعاته . ثم " . قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد ؟ قال : " ثم استوى على العرش " . قالوا : أصبت لو أتممت ، قالوا : استراح .
فهل هذا الحديث صحيح و هل بهذا كلامه يتعارض مع الحديث ؟ و معلوم أن اليوم عند الله ليس كاليوم عندنا فيوم القيامة يوم جمعة ومقداره خمسون ألف سنة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فقد أخبر الله تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وذلك في مواضع من القرآن، منها قوله سبحانه: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام[هود:7]، وقوله: الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام[الفرقان:59]، وقوله: ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام[ق:38]، وقوله: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام[يونس:3]، وقوله: الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام[السجدة:4].
وجاء في تفصيل ذلك: أن الأرض خلقت في يومين، وأن الله تعالى جعل فيها الرواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين آخرين كذلك، فصار المجموع أربعا، وأن السماوات خلقت في يومين، وذلك في قوله تعالى:قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها[فصلت:9 - 12].
وقد بين المفسرون أن خلق الأرض وتقدير أقواتها قد تم ذلك كله في أربعة أيام، وأن الآية ذكرت العدد مجملا بعد تفصيل المعدود على سبيل الفذلكة، وهي الكلام المجمل، يؤتى به بعد ما ذكر مفصلا.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: الظاهر أن معنى قوله هنا (في أربعة أيام) أي: في تتمة أربعة أيام. وتتمة الأربعة حاصلة بيومين فقط؛ لأنه تعالى قال: (قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين).
ثم قال: (في أربعة أيام) أي: في تتمة أربعة أيام. ثم قال: (فقضاهن سبع سماوات في يومين): فتضم اليومين إلى الأربعة السابقة، فيكون مجموع الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض وما بينهما ستة أيام، وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال؛ لأن الله تعالى صرح في آيات متعددة من كتابه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام... انتهى من "أضواء البيان"(7/74).

وأما كون هذه الأيام ليست أياما كأيامنا فقد قال به جمع من المفسرين. قال القرطبي في تفسير الأيام: "في ستة أيام" أي من أيام الآخرة أي كل يوم ألف سنة لتفخيم خلق السماوات والأرض.... وذكر هذه المدة ولو أراد خلقها في لحظة لفعل، إذ هو القادر على أن يقول لها "كوني فتكون" ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور.... وحكمة أخرى من خلقها في ستة أيام لأن لكل شيء عنده أجلا... اهـ

وقال القرضاوي في هدي الإسلام : ولعل هذه الأيام عبارة عن ستة أزمنة وآماد لا يعلم مداها إلا الله تعالى يتحدد كل يوم منها بما تم فيه من عمل، أو ست دورات فلكية لا نعلمها، وهي غير أيامنا المرتبطة بالدورة الشمسية، أو ستة أطوار مرت على هذه المخلوقات. كل ذلك محتمل واللغة العربية تساعد عليه، والدين لا يمنع منه. اهـ .

ويقول سيد قطب في تفسير سورة الأعراف من كتابه في ظلال القرآن: فأما الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض فهي غيب لم يشهده أحد من البشر، ولا من خلق الله جميعا: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم [الكهف:51]. وكل ما يقال عنها لا يستند إلى أصل مستيقن... اهـ
ويقول في تفسير سورة يونس: وعلى كل حال فالأيام الستة غيب من غيب الله الذي لا مصدر لإدراكه إلا هذا المصدر، فعلينا أن نقف عنده ولا نتعداه، والمقصود بذكرها هو الإشارة إلى حكمة التقدير والتدبير والنظام الذي يسير به الكون من بدئه إلى منتهاه.
ويقول في سورة هود: الله خلق السموات والأرض في هذا الأمد لتكون صالحة مجهزة لحياة هذا الجنس البشري....
ثم يقول في سورة الفرقان: وأيام الله التي خلق فيها السموات والأرض غير أيامنا الأرضية قطعا، فإنما أيامنا هذه ظل للنظام الشمسي، ومقياس لدورة فلكية وجدت بعد خلق السموات والأرض، وهي مقيسة بقدر دورة الأرض حول نفسها أمام الشمس... ولعل هذه الأيام الستة من أيام الله التي لا يعلم مقدارها إلا هو، إنما تمت فيها أطوار متباعدة في السموات والأرض حتى انتهت على وضعها الحالي....

ثم يقول في سورة السجدة: والأيام ليست قطعا من أيام هذه الأرض التي نعرفها، فأيام هذه الأرض مقياس زمني ناشئ من دورة هذه الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة تؤلف ليلا ونهارا على هذه الأرض الصغيرة الضئيلة التي لا تزيد على أن تكون هباءة منثورة في فضاء الكون الرحيب، وقد وجد هذا المقياس الزمني بعد وجود الأرض والشمس، وهو مقياس يصلح لنا نحن أبناء هذه الأرض الصغيرة الضئيلة، وأما حقيقة هذه الأيام الستة المذكورة في القرآن الكريم فعلمها عند الله تعالى، فلا سبيل إلى تحديدها وتعيين مقدارها فهي من أيام الله تعالى التي يقول عنها: وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [الحج:47]. قد تكون ستة أطوار مرت بها السموات والأرض وما بينهما حتى انتهت إلى ما هي عليه، أو ستة مراحل في النشأة والتكوين، أو ستة أدهار لا يعلم ما بين أحدها والآخر إلا الله....

ثم يقول في تفسير سورة فصلت: قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين.... وهذه الأيام الاثنان اللذان خلق الله فيهما الأرض، والاثنان اللذان خلق فيهما الرواسي وقدر فيهما الأقوات وأحل فيهما البركة فتمت بهما الأيام الأربعة..... إنها بلا شك أيام من أيام الله التي يعلم هو مداها، وليست من أيام هذه الأرض... والأيام التي خلقت فيها الأرض أولا، ثم تكونت فيها الجبال، وقدرت فيها الأقوات، هي أيام أخرى مقيسة بمقياس آخر لا نعلمه، ولكننا نعرف أنه أطول بكثير من أيام الأرض المعروفة وأقرب ما نستطيع تصوره وفق ما وصل إليه علمنا البشري أنها الأزمان التي مرت بها الأرض طورا بعد طور، حتى استقرت وصلبت قشرتها، وأصبحت صالحة للحياة التي نعلمها، وهذه قد استغرقت فيما تقول النظريات التي بين أيدينا -نحو ألفي مليون سنة من سنوات أرضنا. وهذه مجرد تقديرات علمية مستندة إلى دراسة الصخور وتقدير عمر الأرض بواسطتها، ونحن في دراسة القرآن الكريم لا نلجأ إلى تلك التقديرات على أنها حقائق نهائية، فهي في أصلها ليست كذلك، وما هي إلا نظريات قابلة للتعديل، فنحن لا نحمل القرآن عليها، إنما نجد أنها قد تكون صحيحة إذا رأينا بينها وبين النص القرآني تقاربا، ووجدنا أنها تصلح تفسيرا للنص القرآني بغير تمحل، فنأخذ من هذا أن هذه النظرية أو تلك أقرب إلى الصحة لأنها أقرب إلى مدلول النص القرآني. اهـ
وما ذكره هؤلاء العلماء المعاصرون في إطلاق اليوم على مدة طويلة سبقهم له الراغب حيث قال في مفرداته:

اليوم -في لغة العرب- يعبر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يعبر به عن مدة من الزمان أي مدة كانت. اهـ

وأما الحديث الذي ذكرت في سؤالك فقد خرجه الحاكم وخالفه الذهبي في تصحيحه نظرا لوجود أبي سعيد البقال في سنده فقال: فيه أبو سعيد البقال قال ابن معين لا يكتب حديثه اهـ

هذا وقد ورد لفظ قريب منه يفيد أن ما على الأرض خلق في سبعة أيام، وذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل.
وهذا الحديث مما اختلف فيه أهل العلم، فذهب يحيى بن معين، وعبد الرحمن بن مهدي، والبخاري وغيرهم، إلى أنه غلط، وأنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل صرح البخاري في تاريخه الكبير بأنه من كلامكعب الأحبار.
وممن ذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم . قال شيخ الإسلام: والحجة مع هؤلاء، فإنه قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأن آخر ما خلقه هو آدم، وكان خلقه يوم الجمعة. وهذا الحديث المختلف فيه يقتضي أنه خلق ذلك في الأيام السبعة، وقد روي إسناد أصح من هذا أن أول الخلق كان يوم الأحد. انتهى من مجموع الفتاوى

وذهبت طائفة إلى صحة هذا الحديث، وأنه لا تعارض بينه وبين القرآن، فالقرآن أخبر أن خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهذا الحديث تعرض لذكر خلق ما على الأرض من تراب وجبال وغير ذلك، فهذه الأيام السبعة ليست هي الأيام الستة المذكورة في القرآن.

قال الشيخ الألباني رحمه الله في التعليق على مشكاة المصابيح (3/1598): وليس بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه، خلافا لما توهمه بعضهم، فإن الحديث يفصل كيفية الخلق على الأرض وحدها، وأن ذلك كان في سبعة أيام، ونص القرآن على أن خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام، والأرض في يومين، لا يعارض ذلك، لاحتمال أن هذه الأيام الستة غير الأيام السبعة المذكورة في الحديث، وأنه - أعني الحديث - تحدث عن مرحلة من مراحل تطور الخلق على وجه الأرض حتى صارت صالحة للسكنى، ويؤيده أن القرآن يذكر أن بعض الأيام عند الله تعالى كألف سنة، وبعضها مقداره خمسون ألف سنة، فما المانع أن تكون الأيام الستة من هذا القبيل؟ والأيام السبعة من أيامنا هذه؟ كما هو صريح الحديث، وحينئذ فلا تعارض بينه وبين القرآن. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات