السؤال
هل نزلت الشريعة الإسلامية ليحكم بها المسلمون فقط؟ أم نزلت ليحكم بها أصحاب الديانات الأخرى، مثلا في مصر يوجد نصارى ويهود. فهل تطبق عليهم الشريعة الإسلامية ( مع العلم أنه يوجد اختلاف واسع بين تطبيق الشريعة وتطبيق مبادىء الشريعة). أرجو الإفادة.
هل نزلت الشريعة الإسلامية ليحكم بها المسلمون فقط؟ أم نزلت ليحكم بها أصحاب الديانات الأخرى، مثلا في مصر يوجد نصارى ويهود. فهل تطبق عليهم الشريعة الإسلامية ( مع العلم أنه يوجد اختلاف واسع بين تطبيق الشريعة وتطبيق مبادىء الشريعة). أرجو الإفادة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشريعة الإسلامية أنزلت ليكون لها الحكم في ديار المسلمين، فإذا عاش بها طائفة من اليهود أو النصارى وصاروا أهل ذمة أو مستأمنين ونحو ذلك، أقروا على دينهم وعاشوا تحت سلطان الإسلام وشريعته، فإن تحاكموا إلينا حكمنا بينهم بشرعنا، وإن تحاكموا في أمورهم الخاصة إلى شريعتهم خلي بينهم وبين ذلك.
قال الدكتور محمد جبر الألفي في بحثه (التحكيم في الفقه الإسلامي) المنشور في (مجلة مجمع الفقه الإسلامي) تحت عنوان: "القانون الواجب تطبيقه على غير المسلمين" : لا خلاف بين علماء المسلمين - من أهل التفسير أو الفقه - على أن القاضي المسلم لا يجوز له أن يحكم بغير الشريعة الإسلامية - سواء أكان ذلك بين المسلمين أم كان بين غير المسلمين، وذلك لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} [المائدة: 48] ، وقوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة: 49] ؛ ولأن الأصل في الشرائع هو العموم في حق الناس كافة، إلا أنه تعذر تنفيذها في دار الحرب لعدم الولاية، وأمكن في دار الإسلام فلزم التنفيذ فيها. ولكن القاضي في تطبيقه لأحكام الشريعة الإسلامية على غير المسلمين يراعي القواعد والأحكام التي نص عليها الفقهاء، تطبيقا لقاعدة (أمرنا بتركهم وما يدينون) ، باعتبارها قواعد موضوعية في الشريعة الإسلامية، وليست قواعد إسناد تحيل إلى شريعتهم أو إلى قانون آخر غير الشريعة الإسلامية ... اهـ.
وقال الدكتور عبد الكريم زيدان في (أصول الدعوة): يجري الاحتساب على غير المسلم المقيم في دار الإسلام ذميا كان أو مستأمنا؛ لأننا وإن أمرنا بتركهم وما يدينون إلا أن هذا الترك لهم لا يعني تركهم يخرقون نظام الإسلام ويتعاطون ما يناقضه علانية، وإنما يعني تركهم وما يعتقدون وما يباشرونه في بيوتهم ومعابدهم من صنوف العبادة، أما إذا تظاهروا وأعلنوا ما يناقض الإسلام، كما لو سكروا في قارعة الطريق، أو خطبوا في الناس يعلنون شتمهم للإسلام وتكذيبهم لنبي الإسلام، فإنهم يمنعون من ذلك، وتجري الحسبة عليهم في ضوء ما يفعلون. اهـ.
وقد أورد الدكتور عبد العظيم المطعني في كتابه (سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله) نصوص المعاهدة التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود بعد الهجرة، ومنها: (أن ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم قال: هذا النص الدستوري العام فيه دحض واضح لما يردده من لا فقه لهم بالإسلام وأصوله، الذين يقفون في وجه تطبيق الشريعة في مصر بحجة أن مصر بها غير مسلمين من مواطنيها القبط، فكيف تطبق الشريعة عليهم وهم بها غير مؤمنين؟ هذه الشبهة مدفوعة بكل قوة وحسم، لأن الشريعة لن تطبق عليهم إلا في الحكم في المنازعات التي طرفاها غير مسلمين إذا رفع أحدهم الدعوى أمام القضاء. أو كانت الخصومة ناشئة عن جريمة ارتكبها أحدهم ضد الآخر من الجرائم التي تتولى النيابة العامة رفع الدعوى فيها؛ كالاعتداء على المال أو العرض أو النفس أو ما دون النفس من الأطراف وأعضاء الجسم. أو كانت الخصومة بين طرفين مسلم وغير مسلم، في جميع هذه الحالات تطبق شريعة الله. أما ما يتصل بالأمور الدينية البحتة من مراسم التزويج أو العبادات فهذا لهم فيه مطلق الحرية، ولا سلطان لأحد عليهم، حتى الخمور إذا شربوها معتقدين حليتها عندهم فلهم ذلك ما لم يخل شربها بالنظام العام كظهور شاربها في الطريق العام وهو يترنح ويهذي ويقذف غيره ويسبه .. اهـ.
وقد سبق لنا بيان مذاهب أهل العلم في إقامة الحدود الشرعية على غير المسلم المقيم في ديار الإسلام، وذلك في الفتوى رقم: 179609. كما سبق أن ألمحنا إلى الفرق بين مبادئ الشريعة وأحكامها في الفتوى رقم: 173891.
وأخيرا ننبه على أن اليهود والنصارى لا تنص شرائعهم في كثير من الأحوال على حكم معين يلزمون به تدينا. ثم إنهم إذا رضوا بحكم القوانين الوضعية التي لا تمت لشرائعهم بصلة، فليس لهم ما يتعلقون به في رفض أحكام الشريعة الإسلامية.
والله أعلم.