الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن السبيل لرد زملاء الدراسة عما هم عليه من الانحراف والضلال يتحقق بأمور:
أعظمها: الاستعانة بالله تعالى، وسؤاله الهداية لهم؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى لقومه، ومن ذلك دعاؤه لقبيلتي دوس وثقيف، حيث قال: "اللهم اهد دوسا" رواه البخاري ومسلم, وقال: "اللهم اهد ثقيفا" رواه أحمد والترمذي, وقال: "إن الله تعالى لم يبعثني طعانا ولا لعانا، ولكن بعثني داعية ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" رواه البيهقي في شعب الإيمان.
ومع الاستعانة بالله والدعاء ينبغي أن تستفرغ وسعك في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وابدأ بمخاطبة أحلمهم وأعقلهم، وخاطبه خطابا مؤثرا يمس شغاف قلبه، وأشعره بحرصك وشفقتك عليه، وبين له مغبة الانحراف وعاقبة المعاصي، ووجه الخطاب له وحده حال كونه منفردا عن باقي زملاء السوء، ولو أن تزوره في بيته, وهذه كانت طريقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث بدأ بدعوة الناس إلى قبول الحق، وهؤلاء إذا لم يتحولوا إلى صفك فإنهم لن يتسببوا في إيصال الضرر إليك, ولا إيذائك وتعطيل دعوتك, ثم انتقل منه إلى من هو دونه في الأخلاق وفي درجة قبول الحق, وهكذا.
واعلم أنك لن تؤثر في الناس إذا لم تكن متواضعا رفيقا شفوقا حسن الأخلاق، وقد قال الله تعالى لنبيه: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك {آل عمران:159}، وانظر الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 8580 17709 - 47286 - 53349.
واعلم كذلك أن طريق الدعوة إلى الله تعالى غير مفروش بالورود والرياحين، بل وطن نفسك أنه سينالك بعض الأذى، فلا تستسلم للباطل ولا تيأس، وانظر الفتويين:38010 - 17982.
ثم اعلم أن ما تواجهه من فتن في مقاعد الدراسة إنما هو من مظاهر غربة الدين في آخر الزمان، والمتمسكون بدينهم في هذه الحال هم الغرباء، ونسأل الله تعالى أن تكون منهم، وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك الغرباء فقال: "بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء", قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس". رواه أحمد وصححه الألباني.
ولقد بشرنا نبينا بأن الحق لن يزال ظاهرا حتى في زمن غربة الإسلام على يد طائفة منصورة، فقال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله". رواه مسلم, ولقد أخبرنا عن صفة هؤلاء الغرباء الذين يظهر الله الدين على أيديهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك قوله: "الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي".
وفي رواية: "الذين يصلحون إذا فسد الناس!".
وفي رواية: "ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم".
وفي رواية أنهم: "الفرارون بدينهم".
وفي رواية أخرى أنهم: "النزاع من القبائل"، أي: الذين نزعوا عن أهلهم وعشيرتهم، وهم الذين قبلوا الحق من كل قبيلة، فيحيون سنة نبينا ويعملون بها، ويعلمونها الناس، ويظهرونها على قدر طاقتهم، فيصبح الرجل منهم في قومه معتزلا مهجورا كالغريب، ولكن الله يعينهم، فإن العاقبة للمتقين، قال سبحانه: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون {الصافات: 171-173}, وانظر لزاما الفتوى رقم: 70956.
والله أعلم.