السؤال
إني على يقين تام لا يشوبه أي شك - والحمد لله - أنه سبحانه وتعالى عالم بما نسر ونعلن وما يدور بخواطرنا, فهل هذا العلم ينبثق عن ذات الله؟ أم أنه محدث من إخبار الكتبة الكرام, والملائكة المكلفين بمراقبة العبد؟ والله سبحانه لا يؤاخذنا بما تحدث به النفس, وما يجول بالأفكار ما لم نعمل به, فهل يجوز لنا الطلب والدعاء من الله في سرنا؟
جزاكم الله تعالى كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مما يجب على المسلم اعتقاده أن الله تبارك وتعالى متصف بكل كمال يليق به، ومن ذلك العلم المطلق السابق في الأزل بكل ما هو كائن؛ قال الله تعالى "عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين {سبأ:3}, وقال: " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين {الأنعام:59}, وقال تعالى: "فإنه يعلم السر وأخفى {طه:7}، وقال ابن أبي زيد المالكي فيما يجب على المسلم اعتقاده: "علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره"؛ فعلمه تعالى صفة ذاتية له أزلية, وليس علمه مكتسبا من أي جهة, ولا يحتاج إلى الملائكة, ولا إلى غيرهم؛ كما جاء في نظم رسالة ابن أبي زيد:
وليس يحتاج إلى استظهار * بهم تعالى عالم الأسرار
والفائدة من الكتابة إنما ترجع إلى العبد نفسه لا إلى الله تعالى، قال صاحب الفواكه الدواني: " وإنما فائدة ذلك ترجع للعبد ترجع للعبد؛ لأن الإنسان إذا علم أن عليه من يحصي عمله ويضبطه ليشهد به عليه يوم القيامة على رءوس الأشهاد يحصل منه انزجار عن الإقدام على ارتكاب المعاصي، ولإقامة الحجة عليهم على قدر جحدهم".
أما السؤال الثاني: فإن العبد مأمور بالدعاء ومتعبد به، ولا يسمى الدعاء دعاء إلا إذا تلفظ به العبد سرا كان هذا التلفظ أو جهرا، وما يجول في الخاطر من أفكار وأمنيات لا اعتبار له، ولا يعتبر دعاء، وإن كان الله سبحانه وتعالى يعلمه ومطلع عليه, وانظر الفتوى: 27312.
والله أعلم.