الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يزيدك هدى.
والتوبة الصادقة تكفي لغفران الذنب، فالتوبة تمحو جميع الذنوب حتى الشرك، وحتى لو وقع المرء في الفاحشة التي توجب الحد - وهي الوطء في فرج أجنبي - فيشرع له أن يستر نفسه ولا يطلب إقامة الحد، ويتوب إلى الله، كما جاء في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم والبيهقي، فمن باب أولى من وقع فيما دون ذلك مما لا يوجب الحد، وانظر الفتوى: 49568.
والتعزير: هو العقوبة المشروعة على كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، وانظر أدلته وبعض أحكامه في الفتاوى: 95693 117180 163025 34616.
فمثل فعلتك إن رفعت للحاكم توجب التعزير، فالتعزير لا يجب إلا بعد رفع الأمر إلى القاضي، فما دمت لم ترفع أمرك للحاكم فالتعزير لم يثبت عليك أصلا حتى يسقط، فلا يقال: إن التعزير سقط عن أحد إلا بعد ثبوته عليه.
أما تكرر موجب التعزير في حق الله فإنه يوجب عقوبة واحدة، قال الحجاوي: ولو توجه عليه تعزيرات على معاص شتى: فإن تمحضت لله واتحد نوعها، أو اختلف تداخلت. أهـ.
والصبي يعزر تأديبا له، قال ابن تيمية: لا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا. أهـ.
وهذا فيمن رفع أمره للحاكم كما سبق.
ومما حدث في زمن النبوة من الوقوع فيما دون الفاحشة، ما أخرجه الشيخان عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين {هود:114}، فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة؟ قال: بل للناس كافة.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه علي، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا، فأقم في كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا, قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك. متفق عليه.
قال النووي: هذا الحد معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعزير, وهي هنا من الصغائر؛ لأنها كفرتها الصلاة, ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له لم تسقط بالصلاة, فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة, هذا هو الصحيح في تفسير هذا الحديث, وحكى القاضي عن بعضهم أن المراد بالحد المعروف, قال: وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد, ولم يستفسره النبي صلى الله عليه وسلم عنه إيثارا للستر, بل استحب تلقين الرجوع عن الإقرار بموجب الحد صريحا. أهـ. وراجع الفتوى 20064.
والله أعلم.