تفسير آيتي سورة المائدة (69) و (72)

0 354

السؤال

عندي سؤال بسيط عن شرح آيتين من سورة المائدة, فالآية رقم:(69) توضح أن النصارى سيذهبون إلى الجنة, والآية رقم: (72) توضح أن النصارى سيذهبون إلى جهنم.
جزاكم الله خيرا, أرجو الرد على سؤالي بأسرع وقت.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون {المائدة:69}، معناه أن من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بما يجب الإيمان به, وهو يشمل إيمانهم بالله, وبمن بعث من الرسل عليهم والسلام في عصرهم ومن سبقهم, ويشمل ذلك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به بالنسبة لمن سمعوا به, فكل من آمن بهذا وباليوم الآخر وعمل صالحا فلم يبدل ولم يغير حتى يتوفى على ذلك فله ثواب عمله, وأجره عند الله، وأما من كفر ببعض الرسل - مثل النصارى الذين كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم - فهو من أهل جهنم, كما قال الله تعالى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية {البينة:6}، وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار. رواه مسلم.

 وأما الآية الثانية في المائدة فهي تفيد كفرهم الصريح بقولهم: إن الله هو المسيح, وقد بين الله تعالى فيها وفي الآيات الواقعة بعدها بطلان دعوى إلهية عيسى, وتفنيد إشراكه مع الله تعالى, وقد قال السعدي في تفسير تلك الآيات: يخبر تعالى عن كفر النصارى بقولهم: إن الله هو المسيح ابن مريم ـ بشبهة أنه خرج من أم بلا أب، وخالف المعهود من الخلقة الإلهية، والحال أنه عليه الصلاة والسلام قد كذبهم في هذه الدعوى، وقال لهم: يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ـ فأثبت لنفسه العبودية التامة، ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق: إنه من يشرك بالله ـ أحدا من المخلوقين، لا عيسى ولا غيره: فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ـ وذلك لأنه سوى الخلق بالخالق، وصرف ما خلقه الله له ـ وهو العبادة الخالصة ـ لغير من هي له، فاستحق أن يخلد في النار: وما للظالمين من أنصار ـ ينقذونهم من عذاب الله، أو يدفعون عنهم بعض ما نزل بهم: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ـ وهذا من أقوال النصارى المنصورة عندهم، زعموا أن الله ثالث ثلاثة: الله، وعيسى، ومريم ـ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ـ وهذا أكبر دليل على قلة عقول النصارى، كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء، والعقيدة القبيحة؟! كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوقين؟! كيف خفي عليهم رب العالمين؟! قال تعالى رادا عليهم وعلى أشباههم: وما من إله إلا إله واحد ـ متصف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص، منفرد بالخلق والتدبير، ما بالخلق من نعمة إلا منه، فكيف يجعل معه إله غيره؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ثم توعدهم بقوله: وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ـ ثم دعاهم إلى التوبة عما صدر منهم، وبين أنه يقبل التوبة عن عباده فقال: أفلا يتوبون إلى الله ـ أي: يرجعون إلى ما يحبه ويرضاه من الإقرار لله بالتوحيد، وبأن عيسى عبد الله ورسوله، عما كانوا يقولونه: ويستغفرونه ـ عن ما صدر منهم: والله غفور رحيم ـ أي: يغفر ذنوب التائبين، ولو بلغت عنان السماء, ويرحمهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات، وصدر دعوتهم إلى التوبة بالعرض الذي هو غاية اللطف واللين في قوله: أفلا يتوبون إلى الله ـ ثم ذكر حقيقة المسيح وأمه، الذي هو الحق، فقال: ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ـ أي: هذا غايته ومنتهى أمره، أنه من عباد الله المرسلين، الذين ليس لهم من الأمر ولا من التشريع، إلا ما أرسلهم به الله، وهو من جنس الرسل قبله، لا مزية له عليهم تخرجه عن البشرية إلى مرتبة الربوبية: وأمه ـ مريم: صديقة ـ أي: هذا أيضا غايتها، أن كانت من الصديقين الذين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء. والصديقية هي العلم النافع المثمر لليقين والعمل الصالح، وهذا دليل على أن مريم لم تكن نبية، بل أعلى أحوالها الصديقية، وكفى بذلك فضلا وشرفا، وكذلك سائر النساء لم يكن منهن نبية؛ لأن الله تعالى جعل النبوة في أكمل الصنفين، في الرجال، كما قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ـ فإذا كان عيسى عليه السلام من جنس الأنبياء والرسل من قبله، وأمه صديقة، فلأي شيء اتخذهما النصارى إلهين مع الله؟ وقوله: كانا يأكلان الطعام ـ دليل ظاهر على أنهما عبدان فقيران، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، فإن الإله هو الغني الحميد، ولما بين تعالى البرهان قال: انظر كيف نبين لهم الآيات ـ الموضحة للحق، الكاشفة لليقين، ومع هذا لا تفيد فيهم شيئا، بل لا يزالون على إفكهم وكذبهم وافترائهم، وذلك ظلم وعناد منهم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات