السؤال
ما حكم صناعة الدمى من الأقمشة دون ملامح, وصنعها من العجين السيراميك أيضا دون ملامح للكبار؟ فأنا أصنعها لنفسي للتسلية, وأشتري دمى جاهزة, ودباديب للتسلية, فأرجو التوضيح لأني سمعت أنها لا تجوز للكبار, علما أن التي أشتريها جاهزة فيها ملامح.
شكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في صناعة الدمى بدون ملامح من القماش ونحوه للعب واحتفاظ الكبار بها, وذلك لما رواه أبو داود والنسائي, وصححه الألباني عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بناتي, ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع, فقال: "ما هذا الذي أرى وسطهن؟" قالت: فرس, قال: ما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان, قال: "فرس له جناحان؟" قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه.
والظاهر - والله أعلم - أن عائشة كانت بعد غزوة خيبر بالغة؛ فقد تزوجها نبينا صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين, ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين؛ كما في الصحيحين وغيرهما، وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة كما قال أهل السير، وفي مستدرك الحاكم على الصحيحين أن ذلك كان في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة، وقال الحافظ في الفتح: إذا ثبت أنه بنى بها في شوال من السنة الأولى من الهجرة قوى قول من قال: إنه دخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر، وقد وهاه النووي في تهذيبه، وليس بواه إذا عددناه من ربيع الأول.
فإذا قلنا إن دخوله صلى الله عليه وسلم بها كان في السنة الأولى بعد سبعة أشهر أو ثمانية من الهجرة فإنها بعد غزوة خيبر تكون قد بلغت أربعة عشر أو خمسة عشر سنة، وكثير من النساء يبلغن سن التكليف قبل هذا السن, قال الحافظ في الفتح: وعائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة, إما أكملتها, أو جاوزتها, أو قاربتها, وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا.
ولذلك فإن الراجح من أقوال أهل العلم جواز اتخاذ اللعب من الدمى وصناعتها من القماش ونحوه، وهو مستثنى من عموم النهي عن اتخاذ الصور؛ قال الحافظ في الفتح عند حديث عائشة: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم, وكان لي صواحب يلعبن معي, قال: واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض, ونقله عن الجمهور.
وأما ما ظهر منها في هذا العصر بملامح واضحة مما لم يكن في العصر الأول: فقد اختلف فيه أهل العلم المعاصرون، جاء في موقع ملتقى أهل الحديث فتوى للشيخ سعد الشثري: وقد اختلف العلماء المعاصرون في هذه العرائس الحديثة هل هي داخلة في الأحاديث الدالة على الجواز أم لا؟ وسبب استشكالهم دخولها في أحاديث الجواز: هو أن التصنيع الحديث لهذه اللعب يكون فيه التصوير دقيقا حتى قد يخيل للناظر من أول وهلة أن هذه الدمية حية, ولكن الذي يراه المحققون ـ والعلم عند الله ـ أن دقة التصوير لا أثر له في الحكم، والعلماء الذين استثنوا هذه الدمى من النهي عن التصوير إنما استثنوها لأنها صور، ولو لم تكن صورة لم تكن داخلة في النهي حتى يمنع منها, ولكن لا بد من استثناء ما لو كانت هذه الدمى تتضمن أمرا محرما كما لو كان فيها نغمات موسيقية، أو كان تصويرها على وضع مخل بالأخلاق، ونحو ذلك.
والأحوط تجنب هذا النوع, والاستغناء عنه بغيره، كما سبق بيانه في الفتوى: 3643.
والله أعلم.