السؤال
هل إذا توافرت في شخص صفات المنافقين كما في الحديث: ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر )؟
إذا توافرت هذه الصفات الأربع هل يحكم عليه بالنفاق ؟ يعنى أقول هذا إنسان منافق، لما ظهر لي من هذه الصفات، وأنا أعلم أن النفاق يتعلق بالباطن، ولكن هناك من الأعمال ما يحكم بها على الباطن، فقد تكلم بعض الصحابة في مالك بن الدوعشن أو الدوغشم لما ظهر عليه فقالوا منافق. أم يتعذر الآن بعد انقطاع الوحي ووفاة الرسول عليه الصلاة والسلام الحكم بالنفاق على المعين؟ وإن حمل الحديث على النفاق العملي هل يصح وصفه أيضا بأنه منافق ؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالنفاق نوعان: أكبر، وأصغر, والأكبر هو نفاق الاعتقاد، وهو يخرج من الملة، ويكون بالباطن أي بالقلب؛ أما النفاق الأصغر فهو العملي، ويكون بالأعمال، وهذا لا يخرج صاحبه من الملة، لكن يوصف صاحبه بالنفاق العملي. وهذا هو الوارد في الحديث المذكور, ومن وجدت فيه ظاهرة فإنه يوصف بالنفاق كما يوصف العاصي بالفسق والعصيان.
قال سليمان بن عبد الله آل الشيخ: هل يقال لمن أظهر علامات النفاق ممن يدعي الإسلام؛ أنه منافق، أم لا؟ الجواب: أنه من ظهرت منه علامات النفاق الدالة عليه ..... فإنه يجوز إطلاق النفاق عليه، وتسميته منافقا. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون ذلك كثيرا........ ولكن ينبغي أن يعرف؛ أنه لا تلازم بين إطلاق النفاق عليه ظاهرا، وبين كونه منافقا باطنا، فإذا فعل علامات النفاق؛ جاز تسميته منافقا لمن أراد أن يسميه بذلك، وإن لم يكن منافقا في نفس الأمر، لأن بعض هذه الأمور قد يفعلها الإنسان مخطئا لا علم عنده، أو لقصد يخرج به عن كونه منافقا، فمن أطلق عليه النفاق لم ينكر عليه، كما لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسيد بن حضير تسميته سعدا منافقا، مع أنه ليس بمنافق، ومن سكت لم ينكر عليه " [الدرر السنية]
واعلم أن ما نحكم به على الناس هو ظاهرهم فقط، وأما بواطنهم فلا يعلمها إلا الله, فعن عبد الله بن عتبة قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة " أخرجه البخاري.
وعليه، فليس لنا إلا الحكم بالظاهر، فمن وقعت منه هذه الأعمال المذكورة في الحديث ظاهرا ساغ لنا أن نصفه بالنفاق، ويكون هذا نفاقا عمليا ليس بمخرج من الدين، لكن صاحبه على خطر عظيم.
جاء في أحكام القرآن لابن العربي : النفاق بالقلب هو الكفر، وإذا كان في الأعمال فهو معصية ... وفيه قال النبي: أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر. روته الصحاح، والأئمة. وتباين الناس فيه حزقا، وتفرقوا فرقا، بسبب أن المعاصي بالجوارح لا تكون كفرا عند أهل الحق، ولا في دليل التحقيق. وظاهر هذا الحديث يقتضي أنه إذا اجتمعت فيه هذه الخصال صح نفاقه وخلص، وإذا كان منهن واحدة كانت فيه من النفاق خصلة، وخصلة من النفاق نفاق، وعقدة من الكفر كفر. وعليه يشهد ظاهر هذه الآية بما قال فيه من نكثه لعهده وغدره الموجب له حكم النفاق.
وقال الحافظ في فتح الباري: وقال النووي: هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا، من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره. قال: وليس فيه إشكال، بل معناه صحيح، والذي قاله المحققون أن معناه أن هذه خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال، ومتخلق بأخلاقهم. قلت: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر، وقد قيل في الجواب عنه أن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه وهذا ارتضاه القرطبي .......... وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي. والله أعلم. اهـ.
علما بأن الصحابي الذي أشار السائل إليه، اسمه الصحيح كما جاء في روايته الثابتة في الصحيحين مالك بن الدخيشن أو الدخشن.
والله أعلم.