السؤال
جاء في إحدى الفتاوى للشيخ علي بن خضير بن فهد الخضير . "من يحب الديمقراطيين من أجل الديمقراطية، ويحب البرلمانيين المشرعين، ويحب الحداثيين، والقوميين... ونحوهم، من أجل توجهاتهم وعقائدهم؛ فهذا كافر كفر تولي، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم}. فإن من معاني " ولي " أي؛ المحب، قاله ابن الأثير في النهاية [5/228]. وسؤالي هو أن الديمقراطية، والبرلمانية، والحداثية والقومية كل هذا ذكره الشيخ، ولا يعتبر من الأديان، بل توجهات ومصطلحات سياسية لا دخل لها في المضمون الديني. ولو قال عنها تشبه بالكفار لقنا صحيح، لكنه كفر من يحب الديمقراطيين والبرلمانيين -- الخ .ومسألة التكفير في الإسلام مسألة حساسة جدا، وينبغي الرجوع فيها إلى الجماعة قبل إصدار فتاوى متهورة حول هذه المواضيع؛ لأنها حسب رأيي لا يجوز التكفير حسب اجتهاد شخصي بحت، بل ينبغي الرجوع إلى الجماعة عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. أخرجه أحمد .لأن التكفير حكم شرعي, مرده إلى الله ورسوله, فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله, فكذلك التكفير, لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن، لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة. أما الآية التي استند عليها: قال الله تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) فقد ذكرتم في موقعكم هذا أنه علم مما سبق أن المراد بالولاية ولاية التناصر والمحالفة، وقيده بعضهم بكونها على المؤمنين. فمن هنا يظهر أن استدلال الشيخ المفتي بهذه الآية باطل وخاطئ .فما رأيكم في هذه الفتوى التي أصدرها الشيخ هل هي صحيحة أم متسرعة ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم على شيء فرع عن تصوره، والمذاهب الفكرية الواردة في السؤال لها مدلولات مناقضة للإسلام، فالحداثة مذهب فكري أدبي علماني، بني على أفكار وعقائد غربية خالصة. وتهدف الحداثة إلى إلغاء مصادر الدين، وما صدر عنها من عقيدة وشريعة، وتحطيم كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية بحجة أنها قديمة وموروثة لتبني الحياة على الإباحية والفوضى، والغموض وعدم المنطق، والغرائز الحيوانية، وذلك باسم الحرية والنفاذ إلى أعماق الحياة. والحداثة خلاصة مذاهب خطيرة ملحدة، ظهرت في أوروبا كالمستقبلية، والوجودية، والسريالية ... وهي إفراز طبيعي لعزل الدين عن الدولة في المجتمع الأوروبي، ولظهور الشك والقلق في حياة الناس مما جعل للمخدرات والجنس تأثيرهما الكبير. كما جاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة).
وجاء فيها تعريف القومية العربية بأنها: حركة سياسية فكرية متعصبة، تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم، على أساس من رابطة الدم واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين. وهي صدى للفكر القومي الذي سبق أن ظهر في أوروبا. اهـ.
قال الشيخ ابن باز في رسالته: (نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع): من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن، لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين والردة السافرة، كما قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65] وقال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: 50] وقال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] وقال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45] وقال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47] وكل دولة لا تحكم بشرع الله، ولا تنصاع لحكم الله ولا ترضاه فهي دولة جاهلية كافرة، ظالمة فاسقة، بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم شريعته وترضى بذلك لها وعليها، كما قال عز وجل: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة: 4]. اهـ.
وأما الديموقراطية فقد سبق لنا بيان حقيقتها ومناقضة فلسفتها الغربية للإسلام في عدة فتاوى، منها الفتوى رقم: 10238.
وهذا لا يبعد عن حقيقة البرلمانيين إن أعطوا أنفسهم سلطة التشريع بما يخالف شرع الله تعالى، ورأوا أن ذلك يسعهم ويسوغ لهم.
وإذا تبين هذا .. فهذه المذاهب بمعناها المناقض للإسلام تعتبر دينا عند معتنقيها، يجب بغضه وإنكاره، ولا يجوز أبدا أن يحب أحد لأجل اعتناقه لهذه المذاهب، وإذا تحققت هذه المحبة لهذا السبب دل ذلك على فساد اعتقاد صاحبها. وقد سبق لنا بيان: متى تكون محبة الكافر كفرا ومتى لا تكون؟ وأن مولاة الكفار منها ما هو كفر، ومنها ما هو دون ذلك، فراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 151751، 161841، 117416.
وقد ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: الناقض الرابع: من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه، فهو كافر.
والناقض التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85]. اهـ.
قال الشيخ ابن باز: ويدخل في القسم الرابع: من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام، أو أنها مساوية لها، أو أنه يجوز التحاكم إليها، ولو اعتقد أن الحكم بالشريعة أفضل، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين، أو أنه كان سببا في تخلف المسلمين، أو أنه يحصر في علاقة المرء بربه، دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى. ويدخل في الرابع أيضا: من يرى أن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق، أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر. ويدخل في ذلك أيضا: كل من اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة. اهـ.
وأما حكم الأخ السائل على مسألة التكفير بأنها مسألة حساسة جدا، فهذا حق، ولذلك لا يصح أن يتكلم فيها إلا أهل العلم الراسخون فيه، سواء أكان واحدا أو طائفة، ولذلك فإن قول السائل: (لا يجوز التكفير حسب اجتهاد شخصي بحت بل ينبغي الرجوع الى الجماعة) ليس بلازم، وهو قول غير دقيق، فلا حرج في أن يتكلم الواحد من أهل العلم في هذه المسألة طالما كان مؤهلا لذلك. وراجع الفتوى رقم: 14489.
وأخيرا ننبه على أن من قال: إنه يحب الديقراطية، أو الحداثة، أو القومية أو غير ذلك من المذاهب المخالفة للإسلام، فينبغي عدم التسرع في الحكم عليه، حتى يستفهم عن معنى هذا المذهب عنده، فقد يكون جاهلا بحقيقته، أو له فهم خاص فيه، ولذلك قال الشيخ ابن باز في (نقد القومية العربية): لا ريب أن الدعوة إلى أن تكون القومية العربية هي الرابطة الأولى بين العرب، دعوة باطلة لا أساس يؤيدها لا من العقل ولا النقل، بل هي دعوة جاهلية إلحادية يهدف دعاتها إلى محاربة الإسلام، والتملص من أحكامه وتعاليمه. وقد يدعو إليها من لا يقصد هذا المعنى وإنما دعا إليها تقليدا لغيره وإحسانا للظن به، ولو عرف حقيقة المقصود منها لحاربها وابتعد عنها. اهـ.
والله أعلم.