0 450

السؤال

ما أول المخلوقات؟ أهو العماء أو الماء أو العرش أو القلم؟ وهل العماء خلق قبل ماء العرش؟ وهل الماء أكبر من العرش؟ وهل العماء - في حديث: أين كان الله قبل خلق السماوات - يحيط بالله؟ وهل خلقت السماوات قبل الأرض؟

الإجابــة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن أول ما خلق الله سبحانه وتعالى الماء, ثم العرش, ثم القلم, ثم الأرض, ثم السماوات، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: روى أحمد، والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا "أن الماء خلق قبل العرش" وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة "أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء". انتهى.
وقال الذهبي في كتابه: العلو للعلي الغفار:روى إسماعيل السدي، عن مرة الطيب عن ابن مسعود، و عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ناس من أصحاب النبي، في قوله: ثم استوى إلى السماء. قال: إن الله تعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئا قبل الماء .... انتهى. قال الألباني في اختصاره وتحقيقه لكتاب العلو عن هذا الحديث: إسناده جيد. انتهى.
وروى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض. 

وروى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال: رأيت أشياء تختلف علي في القرآن, قال: هات ما اختلف عليك من ذلك, فقال: أسمع الله تعالى يقول: (قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) حتى بلغ (طائعين), فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماوات، ثم قال سبحانه في الآية الأخرى: (أم السماء بناها)[النازعـات:27]، ثم قال: (والأرض بعد ذلك دحاها)[النازعـات:30], فبدأ جل شأنه بخلق السماء قبل خلق الأرض, فقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: أما خلق الأرض في يومين فإن الأرض خلقت قبل السماء، وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض، وأما قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) يقول: جعل فيها جبلا, وجعل فيها نهرا، وجعل فيها شجرا، وجعل فيها بحورا.

فدل هذا على وجود خلقين: خلق الأرض ابتداء، وخلق ما فيها من الجبال والأنهار.

وقال العلامة الشوكاني في فتح القدير: والأرض بعد ذلك دحاها {النازعات:30}, أي: بعد خلق السماء، ومعنى دحاها: بسطها وهذا يدل على أن خلق الأرض بعد خلق السماء, ولا معارضة بين هذه الآية وبين ما تقدم في سورة فصلت من قوله: { ثم استوى إلى السماء {فصلت:11}, بل الجمع بأنه سبحانه خلق الأرض أولا غير مدحوة, ثم خلق السماء, ثم دحا الأرض, وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك, وقدمنا أيضا بحثا في هذا في أول سورة البقرة عند قوله: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا {البقرة:29}, وذكر بعض أهل العلم أن بعد بمعنى مع, كما في قوله: عتل بعد ذلك زنيم {القلم:13}، وقيل بعد بمعنى قبل, كقوله: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر {الأنبياء:105}، أي: من قبل الذكر, والجمع الذي ذكرناه أولى, وهو قول ابن عباس وغير واحد, واختاره ابن جرير... أخرج منها ماءها ومرعاها {النازعات:31}، أي: فجر من الأرض الأنهار والبحار والعيون, وأخرج منها مرعاها أي: النبات الذي يرعى. انتهى.

وما ذكرنا من خلق الماء والعرش ليس بينه وبين ما رواه الترمذي وصححه عن عبادة بن الصامت مرفوعا: أن أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة. تعارض كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح حيث قال: فإن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش, أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له: اكتب أول ما خلق. انتهى.

وأما حديث أبي رزين قال: قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: كان في عماء ما فوقه هواء, وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. فقد رواه الترمذي وابن حبان وابن ماجة وأحمد بألفاظ متقاربة، وقد ضعفه الشيخ الألباني في كثير من كتبه. 

 وعلى فرض ثبوته: فليس معناه أنه يحيط بالله تعالى, وإنما يحتمل أن يكون في بمعنى فوق, كما قال الله عز وجل: { فسيحوا في الأرض {التوبة:2}، أي: على الأرض, وكما قيل في تفسير قوله: أأمنتم من في السماء {الملك:16}، أنه: أراد من فوقها,
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير قوله: أأمنتم من في السماء:  وليس المراد بذلك أن السماء تحصر الرب وتحويه, كما تحوي الشمس والقمر وغيرهما، فإن هذا لا يقوله مسلم, ولا يعتقده عاقل؛ فقد قال سبحانه وتعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض {البقرة:255}، والسموات في الكرسي كحلقة ملقاة في أرض فلاة، والكرسي في العرش كحلقة ملقاة في أرض فلاة، والرب سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته, وقال تعالى: ولأصلبنكم في جذوع النخل {طه:71}، وقال: فسيحوا في الأرض {التوبة:2}،وقال: يتيهون في الأرض {المائدة:26}، وليس المراد أنهم في جوف النخل، وجوف الأرض، بل معنى ذلك أنه فوق السموات وعليها، بائن من المخلوقات؛ كما أخبر في كتابه عن نفسه أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش. اهـ .
وجاء في تهذيب اللغة لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي: قلت أنا والقول عندي ما قاله أبو عبيد أنه العماء، ممدود، وهو السحاب، ولا يدري كيف ذلك العماء، بصفة تحصره، ولا نعت يحده. ويقوي هذا القول قول الله - جل وعز -: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام}، فالغمام معروف في كلام العرب، إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله - عز وجل - يوم القيامة في ظلل منه، فنحن نؤمن به، ولا نكيف صفته، وكذلك سائر صفات الله عز وجل. اهـ

وأما ما جاء في كونه فوقه هواء فهو راجع للعماء، كما قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: كان في عماء، فوقه هواء، وتحته هواء. والهاء في قوله: فوقه وتحته راجعة إلى العماء. وقال أبو عبيد العماء هو الغمام وهو ممدود ... اهـ

وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 19224، 26672، 20193، 183151، 54842

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات