الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يمايز بين الذكر والأنثى، فقال سبحانه: وليس الذكر كالأنثى {آل عمران:36}. ومع كون التفريق بين الذكور والإناث سنة كونية ترتب عليها بعض الأحكام الشرعية، إلا أن الفطرة السليمة لا تجد إلا أن تعترف بهذه الفروق، وإن أول من يعترف بها ويسلم بوجودها هم الذين ترتفع أصواتهم الآن بالمناداة بضرورة المساواة بين الذكر والأنثى في كل أمر مساواة تامة!
فهؤلاء الكفار - الذين يعيبون على الشريعة الإسلامية تفريقها بين الذكور والإناث في بعض الأحكام - عندما وضعوا قوانين للألعاب الرياضية لم يسووا بين الذكور والإناث, واعتبري ببعض الرياضات - كألعاب القوى, والسباحة, والمصارعة, وغير ذلك - بل إن دعاة المساواة هؤلاء قد خصصوا بعض الوظائف بالنساء دون الرجال، ولم يعترض أحد، واعتبري بوظيفة جليسة الأطفال (baby sitter)، والممرضة، وحتى السكرتيرة, وموظفة العلاقات العامة التي ترد على هواتف العملاء! بل وصل الأمر بأدعياء المساواة بين الذكور والإناث إلى ما هو أبعد من هذا، فإن ذكورهم لا يلبسون الثياب التي ألوانها زاهية, ونوعية قماشها رقيقة, بحجة أنها تشبه ثياب النساء! ولو سألناهم: ما الذي حملكم على التفريق بين الرجال والنساء في الألعاب والوظائف والثياب وغير ذلك؟ لقالوا: لكل ما يناسبه, ونحن نسائلهم: أليس الله الذي خلق الناس نوعين غير متماثلين أعلم بما يناسب كل نوع منهما؟ فلم رضيتم بأحكامكم التي خصصتم بها كل فريق منهما, ولم ترضوا بما خص الله به كلا منهما من أحكام؟
فإذا تبين لك تناقضهم، فاعلمي أنما يتبعون أهواءهم!
هذا، ومما ينبغي التنبه له أن تفضيل الرجال على النساء الوارد في قول الله تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم {النساء:34}، إنما المراد منه تفضيل جنس الرجال على جنس النساء - في الجملة -، وليس المراد منه تفضيل جميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، وإلا فكم من امرأة تفضل زوجها في العلم والدين والعمل والرأي وغير ذلك.
ثم نقول - أيتها الأخت الكريمة -: إن مقتضى رضا الإنسان بالله ربا, وبالإسلام دينا, وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا, أن ينقاد ويستسلم لشرع الله تعالى، وأن يعتقد اعتقادا جازما أن ما صحت نسبته إلى الشرع فهو حق وعدل, وإن لم تتبين له حكمته، وليس لأحد أن يعقب على شيء قضى به الله سبحانه, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23}، والله يحكم لا معقب لحكمه {الرعد:41}، وانظري الفتوى رقم: 106951.
ومع أن الواجب اعتقاد أن ما شرعه الله تعالى يشتمل على المصلحة التامة للعبد في الدارين، إلا أن العلماء التمسوا بعض الحكم في بعض ما شرع سبحانه، ومن ذلك تشريعاته التي يختلف فيها حكم الذكر عن حكم الأنثى كالعقيقة مثلا، فقد روى أصحاب السنن عن أم كرز الكعبية - رضي الله تعالى عنها - أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة، مكافئتان: أي متساويتان في السن.
ولابن القيم - رحمه الله - كلام نفيس في بيان الحكمة من تمايز الذكور عن الإناث في بعض الأحكام، ذكره في كتابه: إعلام الموقعين ننقل شطرا منه هنا؛ فإنه قاض على كل شبهة - بإذن الله تعالى -، قال - رحمه الله تعالى -: فصل: [الحكمة في مساواة المرأة للرجل في بعض الأحكام دون بعض] : وأما قوله: "وسوى بين الرجل والمرأة في العبادات البدنية والحدود، وجعلها على النصف منه في الدية والشهادة والميراث والعقيقة"، فهذا أيضا من كمال شريعته وحكمتها ولطفها؛ فإن مصلحة العبادات البدنية ومصلحة العقوبات الرجال والنساء مشتركون فيها، وحاجة أحد الصنفين إليها كحاجة الصنف الآخر؛ فلا يليق التفريق بينهما، نعم فرقت بينهما في أليق المواضع بالتفريق وهو الجمعة والجماعة، فخص وجوبهما بالرجال دون النساء؛ لأنهن لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال؛ وكذلك فرقت بينهما في عبادة الجهاد التي ليس الإناث من أهلها، وسوت بينهما في وجوب الحج لاحتياج النوعين إلى مصلحته، وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة؛ وأما الشهادة فإنما جعلت المرأة فيها على النصف من الرجل؛ لحكمه أشار إليها العزيز الحكيم في كتابه، وهي أن المرأة ضعيفة العقل قليلة الضبط لما تحفظه. وقد فضل الله الرجال على النساء في العقول والفهم والحفظ والتمييز؛ فلا تقوم المرأة في ذلك مقام الرجل، وفي منع قبول شهادتها بالكلية إضاعة لكثير من الحقوق وتعطيل لها، فكان من أحسن الأمور وألصقها بالعقول، أن ضم إليها في قبول الشهادة نظيرها لتذكرها إذا نسيت، فتقوم شهادة المرأتين مقام شهادة الرجل، ويقع من العلم أو الظن الغالب بشهادتهما ما يقع بشهادة الرجل الواحد، وأما الدية فلما كانت المرأة أنقص من الرجل، والرجل أنفع منها، ويسد ما لا تسده المرأة من المناصب الدينية, والولايات, وحفظ الثغور, والجهاد, وعمارة الأرض, وعمل الصنائع التي لا تتم مصالح العالم إلا بها, والذب عن الدنيا والدين لم تكن قيمتهما مع ذلك متساوية وهي الدية؛ فإن دية الحر جارية مجرى قيمة العبد وغيره من الأموال، فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته لتفاوت ما بينهما ... وأما الميراث فحكمة التفضيل فيه ظاهرة؛ فإن الذكر أحوج إلى المال من الأنثى؛ لأن الرجال قوامون على النساء، والذكر أنفع للميت في حياته من الأنثى, وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله بعد أن فرض الفرائض وفاوت بين مقاديرها: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا} [النساء: 11] وإذا كان الذكر أنفع من الأنثى وأحوج كان أحق بالتفضيل. اهـ.
وأما ما ذكرته من أن الإسلام يمنع المرأة من عبور الشارع، فهذا ليس بصحيح، نعم الإسلام يأمر المرأة بالحجاب المستوفي للشروط، ويأمرها بعدم الاختلاط المحرم بالرجال، لكنه لا يمنعها أبدا من النظر في مصالحها، ولو استدعى ذلك خروجها من بيتها وتعاملها مع الرجال، طالما كانت ملتزمة بالحجاب الشرعي ونحوه من الضوابط الشرعية، وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4185 - 12867 - 20667.
واعلمي - أيتها الأخت الكريمة - أن الضوابط التي شرعها الإسلام في خروج المرأة من بيتها وفي تعاملها مع الرجال الأجانب: إنما كان الغرض منه صيانتها والحفاظ عليها، وكم من امرأة غربية تمنت أن لو كانت في بلاد المسلمين لتحترم وتصان؛ وذلك لما تجده المرأة في الغرب من امتهان وعدم احترام، حيث تعامل المرأة هناك على أنها مجرد جسد للشهوة ولإشباع الغرائز، فكثيرا ما يجعلون عملها في أي شيء يجذب الرجال ويثيرهم حتى ينفقون بضائعهم؛ فمثلا يضعون صورتها على أغلفة المجلات، أو يجعلونها مضيفة على الطائرة، أو نادلة في مطعم تتزلف للزبائن، أو نحو ذلك من الأعمال المهينة المعتمدة بالأصالة على جمالها وجسدها، وهو أمر تصان عنه المرأة في الإسلام الحنيف.
وأما الزعم بأن الإسلام اعتبر صوت المرأة عورة فليس بصحيح، بدليل ما ثبت في صحيح السنة من مخاطبة النساء للرجال، نعم حرم الله تعالى على المرأة ترقيق صوتها وخضوعها به في حضرة الرجال الأجانب، حيث قال الله تعالى: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا {الأحزاب:32}، وانظري الفتوى رقم: 1524.
وأما قولك: إن المرأة تعاقب إذا لم ترد على زوجها بينما لا يعاقب هو إذا فعل الأمر نفسه: فغير صحيح أيضا؛ والحقيقة هي أن المرأة مأمورة بحسن التبعل لزوجها، وإن تعمدها عدم الرد على اتصاله - مثلا - بدون سبب وجيه يعد من النشوز الموجب للإثم، ولا يتصور من امرأة مؤمنة متقية لله بحال، ولكن في المقابل من قال إن الإسلام يقر الرجل على عدم الرد على ما تخاطبه به زوجته من غير سبب؟ إن الإسلام يأمر الزوج بأن يعاشر امرأته بالمعروف، ومن سوء العشرة إهمالها وعدم الرد على اتصالاتها، فقد قال الله تعالى: وعاشروهن بالمعروف {النساء:19}، وانظري الفتويين: 136014 - 3698.
وأما قولك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب زوجته: فإنه افتراء عليه، وقد نفى ذلك عنه أقرب الناس منه, وأحب زوجاته إليه، ففي صحيح مسلم عن عائشة، قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل.
وأما ضرب النساء من أجل تأديبهن فإنه مشروع، ولكن بضوابط وشروط صارمة، وانظري الفتوى رقم: 6897.
وأما عدم مشروعية تعدد الأزواج للمرأة مع أنه مشروع للرجل: فظاهر أنه من محاسن الشريعة الإسلامية وحكمتها، وانظري الفتويين: 173103 - 2286.
واما استشكالك كون الرجل لا يلام إذا كانت محبته القلبية لإحدى نسائه أكثر من محبته لغيرها مع قيامه بالعدل بينهما: فهو استشكال في غير محله؛ لأن القلب ليس بيد الإنسان، وأي شخص قد يقع في مثل هذا، فقد يميل الشخص لأحد أشقائه أكثر من الآخرين، مع أن أمهم واحدة, وهكذا.
وأما استشكالك كون المرأة تنعم في الجنة بزوج واحد، بينما الرجل يتنعم بالحور وغيرهن: فقد سبقنا أن أجبنا عنه في هاتين الفتويين: 10579 - 166909.
والله تعالى أعلم.