ماهية صفة يد لله سبحانه

0 375

السؤال

سألني أخ أشعري مفوض عن معنى اليد لله تعالى, فأجبته المعنى معلوم من لغة العرب، لله يد ليست كأيدي المخلوقين، إنما يد تليق بكماله وجلاله, فقال لي: إذا أنت فوضت المعنى لأنك فسرت اليد باليد, كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء. فكيف تقولون إن المعنى معلوم عندكم!!! ثم قال: ائتني بتفسير لمعنى اليد التي هي صفة لله تعالى من اللغة العربية كما تدعون، أي من المعاني الثابتة في لغة العرب كاليد الجارحة، أو اليد القدرة، أو النعمة، أو يد الملك إلى آخره... فماذا تقول يا شيخ؟؟ ما معنى يد الله بلغة العرب؟؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلم يكن الجدال والمراء في أمر صفات الرب تعالى من عمل سلف هذه الأمة الطيب، فننصحك بالإعراض عن الجدال والمراء وأن تعقد قلبك على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان في هذا الباب ففيه النجاة والعصمة، وذلك هو الإيمان بكل ما أثبته الله لنفسه من الصفات على الوجه اللائق به سبحانه، مع اعتقاد تنزهه عن مشابهة المخلوقين.

وخلاصة ما أورده عليك هذا المجادل أن اليد لفظ مجمل، فيحتمل به إرادة القدرة، أو النعمة، أو اليد التي هي في حقنا جارحة، وإذا كان كذلك، فرأيه أن الواجب التفويض، فيقال: يحتمل أن تكون القدرة أو النعمة أو غير ذلك من المعاني المحتملة في اللغة، ولا يجزم بإرادة أحد هذه المعاني، وهذا الذي يريد تقريره غلط ترده النصوص، فإن اليد لو كانت هي القدرة أو غيرها ولم يكن مرادا بها اليد الحقيقية فأي فضيلة امتاز بها آدم عليه السلام على سائر الخلق إذ خلقه الله بيده، وإثبات صفة اليدين لله تعالى على الوجه اللائق به هو معتقد الإمام أبي الحسن الأشعري رحمه الله؛ وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 179011.

وزيادة للإيضاح في أمر صفة اليد لله تعالى ننقل لك طرفا من كلام ابن القيم في الصواعق.

قال عليه الرحمة: لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع: مفرد، ومثنى، ومجموعا، فالمفرد كقوله: {بيده الملك} [الملك: 1] والمثنى كقوله: {خلقت بيدي} [ص: 75] والمجموع {عملت أيدينا} [يس: 71] فحيث ذكر اليد مثناة أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، وعدى الفعل بالباء إليها فقال: {خلقت بيدي} [ص: 75] وحيث ذكرها مجموعة أضاف العمل إليها ولم يعد الفعل بالباء، فهذه ثلاثة فروق فلا يحتمل {خلقت بيدي} [ص: 75] من المجاز ما يحتمله {عملت أيدينا} [يس: 71] فإن كل أحد يفهم من قوله: {عملت أيدينا} [يس: 71] ما يفهمه من قوله: عملنا وخلقنا، كما يفهم ذلك من قوله: {فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] ، وأما قوله: {خلقت بيدي} [ص: 75] فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى، فكيف وقد دخلت عليها الباء؟ فكيف إذا ثنيت؟ وسر الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد المراد الإضافة إليه؛ كقوله: {بما قدمت يداك} [الحج: 10] {فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] وأما إذا أضيف إليه الفعل ثم عدي بالباء إلى يده مفردة أو مثناة فهو مما باشرته به، ولهذا قال عبد الله بن عمرو: (إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا: خلق آدم بيده، وغرس جنة الفردوس بيده، وكتب التوراة بيده) . فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك، ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على كل شيء مما خلق بالقدرة) . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الموقف يأتونه يوم القيامة فيقولون: " يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده " وكذلك قال آدم لموسى في محاجته له: " اصطفاك الله بكلامه وخط لك الألواح بيده "، وفي لفظ آخر: " كتب لك التوراة بيده " وهو من أصح الأحاديث، وكذلك الحديث المشهور " أن الملائكة قالوا: يا رب خلقت بني آدم يأكلون ويشربون، وينكحون ويركبون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال الله تعالى: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان " وهذا التخصيص إنما فهم من قوله: {خلقت بيدي} [ص: 75] فلو كان مثل قوله: {مما عملت أيدينا} [يس: 71] لكان هو والأنعام في ذلك سواء. فلما فهم المسلمون أن قوله: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75] يوجب له تخصيصا وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له، وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه، كانت التسوية بينه وبين قوله: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما} [يس: 71] خطأ محضا.

ثم ساق -رحمه الله- جملة وافية من النصوص في إثبات صفة اليد لله سبحانه. والحاصل أن لله تعالى يدين كما أثبت ذلك لنفسه على ما يليق به سبحانه، فنثبتهما له معتقدين تنزهه عن مماثلة المخلوقين، وأن العقول عاجزة عن إدراك كنه صفاته جل وعلا؛ إذ العلم بالصفات فرع على العلم بالموصوف، ولا يعلم كيف ذات الرب تعالى إلا هو، فكذلك لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه.

وننصحك بقراءة الرسالتين الحموية، والتدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ففيهما نفع كبير في هذا الباب إن شاء الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة