طلق زوجته ثلاثا ولم يكن لها ولي فوكلوا شخصا مسلما لإنكاحها

0 235

السؤال

اسقني بجواب شاف يسقيك الله من أنهار الجنة حتى لا تظمأ أبدا: أنا تونسي مقيم في فرنسا إمام وداعية ـ بإذن الله ـ متزوج بتونسية في بلادي تونس ومتزوج في فرنسا بامرأة أرمينية تأليفا لقلبها فأسلمت وحسن إسلامها، إلا أن هذه الأرمينية التي معي في فرنسا فظة وقاسية وتؤذيني باستمرار غيرة من التونسية ولا تريدني أن أذهب إليها من حين لآخر ثم هي غير متخلقة معي، وباختصار دفعتني بقلة معروفها إلى أن طلقتها ثلاث مرات متفرقات، الأولى: بقينا حتى أكملت عدتها ثم عقدنا عقدا جديدا، والثانية بعدها بشهور ثم راجعتها فيها قبل نهاية العدة لكثرة بكائها وتضرعها، والثالثة: حدثت منذ يومين دفعتني إليها دفعا عنيفا حتى غضبت غضبا شديدا لكنني كنت في وعيي وقلت لها طلقتك وأكدت لها ذلك قائلا وهي تصخب وتصيح: هل سمعت لقد طلقتك وليكن في علمك أن هذه طلقتك الثالثة، لكنني يا شيخ كنت غاضبا أيما غضب ومتألما شديد الألم من فظاظتها وقلة معروفها معي، وبعد هذا كله، بكت هذه المرأة بكاء ونحيبا لم أعهدهما في حياتي وهي الآن لا زالت تبكي وتنتحب وتقضم أصابعها، ويوم أمس جاءت تقول لي إن طلاقنا الأول كان غير صحيح ـ أي أنه كان بدعيا ـ ولا أخفيك أنها دائمة القراءة والبحث في الإسلام ولعلها قد قرأت ذلك في بعض المواقع وهي تجري بحثا عن حقوق المرأة في الزواج والطلاق وقالت لي إنني لما طلقتها في الأولى كانت حائضا، وأنا من جهتي أعتقد أنها صادقة في هذا الخبر، لكنني قلت لها إن القائلين بهذا ـ أي بعدم وقوع الطلاق البدعي هم قلة أمام الجمهور الغفير من علماء السلف الذين يقولون بوقوعه، فأصرت وقالت: أنا أعلم أنه رغم ضعفه فهو مخرج وخلاص لي فلا تضيعني فإنني محتاجة إليك في هذه البلاد الغريبة وأنا تائبة إلى الله من غلظتي معك إن أرجعتني، فضيلة الشيخ: نظرا لحاجتها إلي كي أحفظ لها دينها فأنا لا مانع عندي من إرجاعها تحت جناحي إن قلتم وأفتيتم لنا ببطلان الطلاق الأول الذي كان بدعيا، وإن قلتم بأنها بانت بينونة كبرى وأصبحت لا تحل لي فإنني أسلمها إلى الله وهو خير حفظا وسأدعو لها بالثبات على الإسلام، إن خلافي معها يا شيخ عموما هو بسبب امتناعي عن الإنجاب منها لأنني أخشى على أطفالي منها إذا جاءوا فهي صعبة المراس.. أرجو أن يرزقني الله أبناء من التونسية وكفى... وعلى ما يبدو فهي الآن قد رضيت بأن تنتهي عن المطالبة بالإنجاب إذا وجدنا مخرجا وبقيت عندي، بقي أن أسألك أن يوم زواجنا لم يكن لها ولي فقمنا بتوكيل شخص مسلم عنها أعرفه قام بتزويجها إياي
ليتكم تجيبونني في أسرع وقت ممكن أيها الشيخ الكريم ويصلني جوابكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فشكر الله لك سعيك وحرصك على الخير والتحري في أمور دينك، ثم إن الأمر على ما ذكرت من أن جمهور الفقهاء ـ ومنهم المذاهب الأربعة ـ على القول بوقوع طلاق الحائض، وهذا القول هو المفتى به عندنا، كما في الفتوى رقم: 8507.

وبناء على هذا تكون الطلقات الثلاث قد وقعت وبانت منك هذه المرأة بينونة كبرى فلا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك، لقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون {البقرة:230}.

وهذا المسلك الذي هو البحث عن القول أو الفتوى التي توافق هوى عند الشخص مسلك خطير ويفتح الباب واسعا للأهواء واستحلال ما حرم الله بأدنى الحيل، ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام شديد في سلوك مثل هذه المسالك لإبطال البينونة الكبرى فقد سئل عن رجل تزوج امرأة من سنين، ثم طلقها ثلاثا وكان ولي نكاحها فاسقا، فهل يصح عقد الفاسق، بحيث إذا طلق ثلاثا لا تحل له إلا بعد نكاح غيره، أو لا يصح عقده؟ فله أن يتزوجها بعقد جديد، وولي مرشد من غير أن ينكحها غيره؟ فأجاب: الحمد لله، إن كان قد طلقها ثلاثا فقد وقع به الطلاق، وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا، أو فاسقا ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق، فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق، وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح، بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة، وإذا فرع على أن النكاح فاسد، وأن الطلاق لا يقع فيه فإنما يجوز أن يستحل الحلال من يحرم الحرام، وليس لأحد أن يعتقد الشيء حلالا حراما، وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق، ولو ماتت لورثها، فهو عامل على صحة النكاح، فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟ فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته فاسدا إذا كان له غرض في فساده، وهذا القول يخالف إجماع المسلمين فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه، أو خالفه، ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين، وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث، لا عند الاستمتاع والتوارث، يكونون في وقت يقلدون من يفسده، وفي وقت يقلدون من يصححه بحسب الغرض والهوى، ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة. اهـ.

وحسن أن تخشى عليها الردة إلا أن هذا لا يسوغ لك رجعتها، وادع الله لها بخير أن يرزقها الثبات، وسلط عليها بعض النساء الثقات ليكن عونا لها على ذلك، وإذا ارتدت بعد هذا كله فقد جنت على نفسها، واحذر مخالطتها فهي أجنبية عنك.

وننبه إلى أن الإنجاب حق من حقوق الزوجة على زوجها فليس له منعها منه لغير غرض صحيح، وما ذكر بالسؤال من كون هذه المرأة صعبة المراس لا يسوغ ترك الإنجاب منها، ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم: 128947، ففيها بيان بعض مسوغات عدم الإنجاب. 

ونوصيك في الختام بزوجتك الأولى وأن تحرص على أن تجمعها بك لتعفها وتعف بها نفسك وخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتنة، ولا سيما في بلاد الكفر، ثم إن من أهم عوامل الإنجاب وجود الزوجة مع زوجها كما هو معلوم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة