السؤال
يا شيخ السلف كانوا يقولون في الصفات: تفسيرها قراءتها, فلماذا لم نلتزم نحن بقراءتها فقط دون إثبات أو نفي صفة اليد وغيرها, وأن الاستواء يعني العلو والارتفاع؟ ولمذا لم نلتزم فقط بما قالوه وهو أن قراءتها تفسيرها والتزمنا فقط بقراءة الآية مع تفسير المعنى العام للآية دون الوقوف على الكلمة التي فيها تشابه مثل يد وساق واستوى كما فعل السلف؟ أليس هذا أسلم واتباع حقيقي للسلف؟ وعندها إذا أتى معطل نقول له أنت مبتدع، لأن السلف لم يقفوا عليها وأمروا بإمرارها كما جاءت وتفسيرها عن طريقة قراءتها فقط؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس مراد السلف بأن تفسير نصوص الصفات الخبرية هو قراءتها، أنه لا معنى لها، بل مرادهم أن معناها واضح، فيكتفى بقراءتها وفهمها على مقتضى لغة العرب، قال الذهبي في العلو للعلي الغفار: المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولدة ما علمت أحدا سبقهم بها، قالوا: هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، فتفرع من هذا أن الظاهر يعنى به أمران: أحدهما أنه لا تأويل لها غير دلالة الخطاب كما قال السلف: الاستواء معلوم، وكما قال سفيان وغيره: قراءتها تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة لا يبتغى بها مضائق التأويل والتحريف، وهذا هو مذهب السلف مع اتفاقهم أيضا أنها لا تشبه صفات البشر بوجه، إذ الباري لا مثل له لا في ذاته ولا في صفاته. اهـ.
فالمذهب الذي أشار إليه السائل ليس مذهب السلف، وإنما هو مذهب أهل التجهيل وتفويض المعاني، وأما مذهب السلف فهو تفويض العلم بالكيفية، وقد سبق لنا بيان الفرق بين تفويض السلف وتفويض الخلف في الفتوى رقم: 55619.
ولمزيد الفائدة عن هذه المسألة يمكن الاطلاع على الفتويين رقم: 134439، ورقم: 153129.
وقال الدكتور عبد الله الجبرين في تسهيل العقيدة الإسلامية: مما ينبغي التنبيه عليه هنا أن أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يؤمنون بأن جميع صفات الله جل وعلا الثابتة في الكتاب والسنة صفات حقيقية، لا مجازية، وقد نقل الحافظ ابن عبد البر الأندلسي المالكي المولود سنة ـ 368هـ ـ إجماع أهل السنة على ذلك، وذكر غير واحد من المتقدمين إجماع السلف على ذلك، فالسلف يعتقدون أن الظاهر المتبادر من لفظ الصفة معنى حقا يليق بجلال الله تعالى فيثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة الوارد في الكتاب أو السنة، فمثلا يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ العزة في قوله تعالى: ولله العزة ـ وهذا المعنى هو: القدرة والغلبة، وكذلك يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ: استوى ـ في قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى ـ وهذا المعنى هو: العلو والاستقرار.. وهكذا بقية الصفات، لأن الله تعالى خاطب عباده في كتابه بلسان عربي مبين، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب أمته بألفاظ عربية صريحة، فوجب إثبات المعنى الحقيقي الذي يدل عليه اللفظ الوارد في القرآن أو السنة في لغة العرب، وهذا هو مقتضى الإيمان بهما ومقتضى الانقياد لما جاء فيهما، بهذا يعلم بطلان مذهب المفوضة الذين يقولون: نؤمن بالصفات الواردة في النصوص، لكن لا نثبت المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة، وإنما نفوض علم معناه إلى الله تعالى، وهذا مذهب حادث بعد القرون المفضلة، والسلف بريئون منه، فقد تواترت الأقوال عن السلف بإثبات معاني الصفات، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله عز وجل. اهـ.
وقد أجمل الشيخ ابن عثيمين مذاهب الناس في هذه المسألة، فقال في تقريب التدمرية: هذا النوع من التوحيد هو الذي كثر فيه الخوض بين أهل القبلة فانقسموا في النصوص الواردة فيه إلى ستة أقسام:
القسم الأول: من أجروها على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، وهؤلاء هم السلف، وهذا هو الصواب المقطوع به لدلالة الكتاب، والسنة، والعقل، والإجماع السابق عليه دلالة قطعية أو ظنية.
القسم الثاني: من أجروها على ظاهرها لكن جعلوها من جنس صفات المخلوقين، وهؤلاء هم الممثلة، ومذهبهم باطل بالكتاب والسنة والعقل، وإنكار السلف.
ـ القسم الثالث: من أجروها على خلالف ظاهرها، وعينوا لها معاني بعقولهم، وحرفوا من أجلها النصوص، وهؤلاء هم أهل التعطيل، فمنهم من عطل تعطيلا كبيرا كالجهمية والمعتزلة ونحوهم، ومنهم من عطل دون ذلك كالأشاعرة.
القسم الرابع: من قالوا: الله أعلم بما أراد بها، فوضوا علم معانيها إلى الله وحده، وهؤلاء هم أهل التجهيل المفوضة، وتناقض بعضهم فقال: الله أعلم بما أراد، لكنه لم يرد إثبات صفة خارجية له تعالى.
القسم الخامس: من قالوا: يجوز أن يكون المراد بهذه النصوص إثبات صفة تليق بالله تعالى وأن لا يكون المراد ذلك، وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم.
القسم السادس: من أعرضوا بقلوبهم وأمسكوا بألسنتهم عن هذا كله واقتصروا على قراءة النصوص ولم يقولوا فيها بشيء، وهذه الأقسام سوى الأولى باطلة كما قد تبين في غير هذا الموضع. اهـ.
والله أعلم.