أوجه مجيء قوله تعالى: رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ـ بعد قوله: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا

0 423

السؤال

في الفتوى رقم: 148539، حيث كان سؤال السائل في البداية يقول الله عزوجل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ـ ثم بعد ذلك تستمر الآية يقول: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ـ فكيف أفهم هذه الآية حيث إن الله لا يكلف بشيء إلا يمكننا القيام به ثم كيف نطلب من الله الذي لا يكلفنا شيئا فوق طاقتنا أن لا يحملنا ما لا طاقة لنا به؟ وأجبتم بكلام العلامة ابن عاشور، لكن هل يمكن أن يقال إن دعاءهم: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ـ هو من الدعاء بتحصيل الحاصل كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له وذلك أمر حاصل لا محالة سواء فعلناه أو لم نفعل فيكون دعاؤهم من باب الامتثال لما أرشدهم الله إليه في الآيات، والله أعلم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر أهل العلم وجوها لمجيء قوله تعالى: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ـ بعد قوله: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها {البقرة: 286}.

ـ منها: أن الجملة الأولى ليست خبرا من الله، وإنما هي من كلام المؤمنين ثناء على الله تعالى، معطوفا على قولهم: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير { البقرة: 285}.

قال البقاعي في نظم الدرر: هذا الكلام من جملة دعائهم على وجه الثناء طلبا للوفاء بما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم عنه سبحانه وتعالى، خوفا من أن يكلفوا بما لله سبحانه وتعالى أن يكلف به من المؤاخذة بالوساوس التي لا يقع العزم عليها، لأنه مما تخفيه النفوس ولا طاقة على دفعه، فهو من باب: إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء ـ ولعل العدول عن الخطاب إلى الغيبة بذكر الاسم الأعظم من باب التملق بأن له من صفات العظمة ما يقتضي العفو عن ضعفهم، ومن صفات الحلم والرحمة والرأفة ما يرفه عنهم. اهـ.
ـ ومنها: أن الجملة الأولى نزلت في خصوص ما شق على المؤمنين من المؤاخذة بحديث النفس والوساوس، والجملة الثانية دعاء يشمل عامة التكاليف الشرعية، قال البقاعي: ويحتمل أن يكون ذلك من قول الله سبحانه وتعالى جزاء لهم على قولهم: سمعنا وأطعنا... الآية، فأفادهم بذلك أنه لا يحاسبهم بحديث النفس الذي لا عزم فيه، فانتفى ما شق عليهم من قوله: وإن تبدوا ما في أنفسكم... الآية، بخلاف ما أفاد بني إسرائيل قولهم: سمعنا وعصينا ـ من الآصار في الدنيا والآخرة، فيكون حينئذ استئنافا جوابا لمن، كأنه قال: هل أجاب دعاءهم؟ اهـ.
ـ ومنها: أن الله تعالى لقنهم هذا الدعاء ليكون سببا في حصول هذه النعمة وزيادة تلك السعة، حيث يقول الله تعالى لهم: قد فعلت ـ فكلما حصل هذا الدعاء سبغت النعمة وتمت العافية، فإن التيسير ورفع الحرج ليس على درجة واحدة، بل هو مراتب بعضها أعظم من بعض، وقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ـ قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا ـ قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ـ قال: قد فعلت، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، قال: قد فعلت، واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ـ قال: قد فعلت.
وفيه نحوه عن أبي هريرة.

ـ ومنها: أن الدعاء لا يقتصر على التكاليف الشرعية، بل إنه يعم البلاء وأنواع العقوبات، قال البيضاوي في تفسيره: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ـ من البلاء والعقوبة، أو من التكاليف التي لا تفي بها الطاقة البشرية. اهـ.
ـ ومنها: أن أغراض الدعاء لا تنحصر في حصول المفقود، بل منها استدامة الموجود، والثناء على الله بحصول المطلوب، قال الزمخشري في الكشاف: يجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله لاستدامته والاعتداد بالنعمة فيه. اهـ.
هذا .. وقد روي عن ابن عباس تفسير الجملة الثانية بالاستكراه، ففي تنوير المقباس من تفسير ابن عباس قال: ربنا ولا تحملنا أي لا تحمل علينا أيضا ما لا طاقة لنا به ما لا راحة لنا فيه ولا منفعة، وهو الاستكراه. اهـ.
وراجع في حكمة سؤال  الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم  وفائدته الفتويين رقم: 185827، ورقم: 60290.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات