السؤال
دخلت القبر لدفن ابن شقيقتي، وقمت بوضع بعض التراب على كامل جسده فوق الكفن، رغبة مني أن أصيب شيئا من الدفن الشرعي حيث إن المقابر في بلدتنا على هيئة قباب، ولا نستطيع الدفن باللحد أو الشق.
فهل يلزمني شيء؟ وهل علي أن أفتح القبر وأزيل التراب من فوق الكفن رغم وجود النية الحسنة في هذا الفعل؟
أفيدونا أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الدفن في هذه الأبنية، مخالف للدفن الشرعي؛ لما فيها من تسقيف القبر، والأصل في القبور حرمة البناء عليها؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر- رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. وروى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته. رواه مسلم.
قال الإمام الشوكاني يرحمه الله: وفي هذا أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف، بحيث يرتفع زيادة على القدر المشروع، واجبة متحتمة، فمن إشراف القبور أن يرفع سمكها، أو يجعل عليها القباب أو المساجد؛ فإن ذلك من المنهي عنه بلا شك ولا شبهة؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لهدمها أمير المؤمنين عليا، ثم أمير المؤمنين بعث لهدمها أبا الهياج الأسدي في أيام خلافته. انتهى.
وفيها مخالفة الأمر الشرعي بالحفر للميت، واستحباب كونه عميقا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: احفروا، وأوسعوا، وأحسنوا. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
ويسن اللحد، فإذا لم يمكن اللحد لرخاوة الأرض، فالشق، كما قال ابن قدامة في المغني: والسنة أن يلحد قبر الميت؛ كما صنع بقبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال سعد بن أبي وقاص: الحدوا لي لحدا، وانصبوا علي نصبا، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. ومعنى اللحد أنه إذا بلغ أرض القبر حفر فيه مما يلي القبلة مكانا يوضع الميت فيه، فإن كانت الأرض رخوة جعل له من الحجارة شبه اللحد. قال أحمد: ولا أحب الشق؛ لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللحد لنا والشق لغيرنا. رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي. وقال: هذا حديث غريب. فإن لم يمكن اللحد، شق له في الأرض، ومعنى الشق أن يحفر في أرض القبر شقا يضع فيه الميت ويسقفه عليه بشيء. ... اهـ .
وأما مجرد وضع التراب على الميت من غير حفر، فلا يكفي؛ لأنه ليس بدفن. وقد نص الفقهاء على ضرورة الحفر وعدم كفاية وضع الميت بوجه الأرض وستره بالتراب.
فقد جاء في منهاج الطالبين للنووي مع شرحه للجلال المحلي : (أقل القبر حفرة تمنع ) إذا ردمت ( الرائحة ) أن تظهر منه فتؤذي الحي ( والسبع ) أن ينبش ليأكل الميت، فتنتهك حرمته, وفي ذكر الرائحة والسبع وإن لزم من منع أحدهما منع الآخر بيان فائدة الدفن . ( ويندب أن يوسع، ويعمق قامة، وبسطة ) بأن يقوم رجل معتدل ويبسط يديه مرفوعة, قال صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا. رواه الترمذي وغيره, وقال: حسن صحيح. وأوصى عمر رضي الله عنه أن يعمق قبره قامة وبسطة. انتهى.
وقال ابن مفلح في الفروع: ويستحب تعميق القبر وتوسيعه بلا حد, نص عليه .... قال ابن عقيل: ولا يجوز بدل القبر وضعه بالأرض ويضع أجبالا من تراب؛ لأنه ليس بسنة, كما لا يجوز ستره إلا بالثياب. ...اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: (أقل القبر) المحصل للواجب (حفرة تمنع) بعد طمها (الرائحة) أن تظهر فتؤذي (والسبع) أن ينبشه، وخرج بحفرة، وضعه بوجه الأرض، وستره بكثير نحو تراب أو حجارة؛ فإنه لا يجزئ عند إمكان الحفر، وإن منع الريح والسبع؛ لأنه ليس بدفن... اهـ.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري: الفساقي التي لا تكتم الرائحة مع منعها الوحش، لا يكفي الدفن فيها. وقد قال السبكي في الاكتفاء بالفساقي نظر; لأنها ليست معدة لكتم الرائحة; ولأنها ليست على هيئة الدفن المعهود شرعا. اهـ.
وتراجع الفتوى رقم: 141116
والله أعلم.