السؤال
يقول الدكتور عبدالرحمن بن ناصر البراك: قال الله تعالى: تجري بأعيننا {القمر} وقال سبحانه: فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا {الطور} وقال: ولتصنع على عيني {طه} ففي هذه الآيات إضافة العين إلى الله مفردة ومجموعة، ففهم أهل السنة من هذه الآيات أن لله عينين، ولم يقل أحد منهم بأنه ليس لله إلا عين واحدة أو له أعين ـ يا شيخ أليس هذا من التشبيه لله بخلقه؟ نحن نعلم أنه بالنسبة للبشر إذا عبر بالعين الواحدة أو الأعين ـ أي بالجمع ـ فإنهما عينان وأنه يجوز التعبير بالمفرد والجمع عن المثنى, ولكن أثبتنا العينين لأننا نعلم أن الإنسان له عينان, فكيف نقبل هذا القياس على الله تعالى الذي ليس كمثله شيء؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس هذا من التشبيه في شيء، وليس اعتماد أهل السنة في إثبات العينين لله سبحانه على هذه الآيات وحدها، بل فهموا ذلك في ضوء السنة النبوية، كما سيأتي، وقد اتفقت كلمة أئمة السلف على ذلك، قال الشيخ الغنيمان في شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري عند قول البخاري: باب قول الله تعالى: ولتصنع على عيني: دل كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم صراحة، وإجماع أهل العلم بالله والإيمان به، على أن الله تعالى موصوف بأن له عينين، حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته. اهـ.
وقد سئل الشيخ العثيمين عن إثبات العينين لله تعالى، ودليل ذلك؟ فأجاب إجابة مطولة وجامعة فارجع إليها لأهميتها وفائدتها قال في مطلعها: الجواب على ذلك يتحرر في مقامين:
المقام الأول: أن لله تعالى عينين، فهذا هو المعروف عن أهل السنة والجماعة، ولم يصرح أحد منهم بخلافه فيما أعلم. اهـ.
ثم ذكر طائفة من كلام الأئمة واتفاقهم على ذلك، ثم قال: فتبين بما نقلناه أن مقالة أهل السنة والحديث أن لله تعالى عينين تليقان بجلاله وعظمته لا تكيفان ولا تشبهان أعين المخلوقين، لقوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ـ روى عثمان بن سعيد الدارمي ص 47 من رده على المريسي بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله كان سميعا بصيرا ـ فوضع أصبعه الدعاء على عينيه وإبهامه على أذنيه.
المقام الثاني: في ذكر الأدلة على إثبات العينين:
قال البخاري رحمه الله تعالى: باب قول الله تعالى: ولتصنع على عيني ـ وقوله جل ذكره: تجري بأعيننا ـ ثم ساق بسنده حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لا يخفى عليكم أن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية... وقد ذكر ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ في كتاب التوحيد ص 31 حديثا ساقه في ضمن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن لله تعالى عينين فساقه بسنده إلى أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه يقرأ قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ـ إلى قوله: سميعا بصيرا ـ فيضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينه، ويقول : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه، وقد سبقت رواية الدارمي له بلفظ التثنية، وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح: ص 37313 ط خطيب ـ أن البيهقي ذكر له شاهدا من حديث عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: على المنبر: إن ربنا سميع بصير، وأشار إلى عينيه ـ وسنده حسن. اهـ.
وقد ذكر صاحب مختصر الصواعق: ص 359 ط الإمام ـ قبيل المثال السادس حديثا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين عيني الرحمن ـ الحديث، لكنه لم يعزه فلينظر في صحته: وبهذا تبين وجوب اعتقاد أن لله تعالى عينين، لأنه مقتضى النص وهو المنقول عن أهل السنة والحديث، فإن قيل: ما تصنعون بقوله تعالى: أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا، وقوله: تجري بأعيننا ـ حيث ذكر الله تعالى العين بلفظ الجمع؟ قلنا: نتلقاها بالقبول والتسليم، ونقول: إن كان أقل الجمع اثنين كما قيل به إما مطلقا أو مع الدليل فلا إشكال، لأن الجمع هنا قد دل الدليل على أن المراد به اثنتان، فيكون المراد به ذلك، وإن كان أقل الجمع ثلاثة فإننا نقول: جمع العين هنا كجمع اليد في قوله تعالى: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ـ يراد به التعظيم والمطابقة بين المضاف والمضاف إليه، وهو: نا ـ المفيد للتعظيم دون حقيقة العدد، وحينئذ لا يصادم التثنية، فإن قيل: فما تصنعون بقوله تعالى يخاطب موسى: ولتصنع على عيني ـ حيث جاءت بالإفراد؟ قلنا: لا مصادمة بينها وبين التثنية، لأن المفرد المضاف لا يمنع التعدد فيما كان متعددا، ألا ترى إلى قوله تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، وقوله تعالى: واذكروا نعمة الله عليكم ـ فإن النعمة اسم مفرد، ومع ذلك فأفرادها لا تحصى، وبهذا تبين ائتلاف النصوص واتفاقها وتلاؤمها، وأنها ـ ولله الحمد ـ كلها حق، وجاءت بالحق، لكنها تحتاج في بعض الأحيان إلى تأمل وتفكير، بقصد حسن، وأداة تامة، بحيث يكون عند العبد صدق نية بطلب الحق واستعداد تام لقبوله، وعلم بمدلولات الألفاظ ومصادر الشرع وموارده، قال الله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ـ فحث على تدبر القرآن الكريم، وأشار إلى أنه بتدبره يزول عن العبد ما يجد في قلبه من الشبهات حتى يتبين له أن القرآن حق يصدق بعضه بعضا. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 48689، 64765، 179011.
والله أعلم.