الاحتفال بالمولد النبوي بدعة ولا حجة لأحد على دين الله

0 386

السؤال

هل الاحتفال بالمولد النبوي من ‏البدعة؟ وأنا أجد في موقع من المواقع ‏أن صاحب اربل، الملك المظفر، أول ‏من احتفل بالمولد النبوي، فلم ينكر ‏عليه العلماء ذلك، بل مدحوه ومدحوا ‏فعله هذا.‏
والإمام الذهبي مدح الملك المظفر في كتابه "‏سير أعلام النبلاء" فقال عنه: " ‏كان محبا للصدقة ... وبنى أربع ‏خوانك للزمنى، والأضراء ... وبنى ‏دارا للنساء، ودارا للأيتام، ودارا ‏للقطاء.
كتابه الذي طبعته مؤسسة الرسالة، ‏فهو يذكر ذلك في الصحيفتين 335 و ‏‏336 في الجزء الثاني والعشرين.
وابن كثير مدح الملك المظفر وعمله ‏للمولد في كتابه "البداية والنهاية" ‏فقال: "الملك المظفر أبو سعيد ‏كوكبري أحد الأجواد والسادات ‏الكبراء، والملوك والأمجاد، له آثار ‏حسنة ... وكان يعمل المولد الشريف ‏في ربيع الأول، ويحتفل به احتفالا ‏هائلا، وكان مع ذلك شهما شجاعا، ‏فاتكا، بطلا، عاقلا، عالما، عادلا ‏رحمه الله وأكرم مثواه.
وقد صنف الشيخ أبو الخطاب بن ‏دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه ‏‏"التنوير في مولد البشير النذير" ‏فأجازه على ذلك بألف دينار ... ‏محمود السيرة والسريرة ... وكان ‏يحضر عنده في المولد أعيان العلماء. اهـ. ‏الجزء الثالث عشر من كتابه الذي ‏طبع سنة 1966 على نفقة مكتبة ‏المعارف ببيروت، ومكتبة النصر ‏بالرياض، في الصحيفتين 136 و ‏‏137.‏
ومدحه ابن تيمية في كتاب ابن تيمية ‏المسمى: "اقتضاء الصراط المستقيم ‏مخالفة أصحاب الجحيم" بتحقيق ‏محمد حامد الفقي المسمى رئيس ‏جماعة أنصار السنة المحمدية، ‏الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر - ‏بيروت - لبنان، صحيفة 297.
أفتوني، جزاكم الله خيرا. والله يشهد ما أريد به افتراء لأحد، ‏ولكن نقلت لكم الكتابة نصا.‏

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الاحتفال بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدعة محدثة في دين الله تعالى، وقد سبق أن بينا هذا في فتاوى سابقة؛ وانظر على سبيل المثال الفتاوى التالية: 1563، 1888، 3563.

وقد طالعنا ما نقلته عن الإمامين الذهبي، وابن كثير في ترجمتهما للملك مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن علي صاحب إربل، ووجدنا الرجلين قد اجتهدا في ذكر أخبار ذلك الملك وأوصافه، ومآثره، وأعماله، وجهاده، ومن جملة ما ذكروه عنه: احتفاله العظيم الباهر بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونقول تعليقا على ذلك: إذا كان مدحهما لذلك الملك الفاضل من احتفاله بالمولد يعتبر إقرارا منهما له، فإن ذلك ليس حجة على غيرهما من الأئمة الذين يرون عدم مشروعية ذلك، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الأئمة رحمهم الله تعالى لا يرضون أن يؤخذ من كلامهم إلا ما كان موافقا للكتاب والسنة.

قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كل يؤخذ من قوله ويرد، إلا صاحب هذا القبر. يشير إلى قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وهكذا قال إخوانه من الأئمة في هذا المعنى. وقد تبين لك من خلال الفتاوى المشار إليها آنفا عدم الدليل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي.

ثم إن الإمامين الذهبي، وابن كثير وغيرهما ممن ينسب له القول بجواز الاحتفال بالمولد النبوي، لا يقرون أبدا ما يفعله الناس في ذلك الاحتفال من الاختلاط المحرم، وضرب المعازف، والرقص، وشرب الخمور، وتضييع الصلوات، وغير ذلك من المخازي التي لا ينكرها إلا مكابر!

وأما شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فلم يمدح الاحتفال بالمولد، فكيف وهو من هو في التحذير من البدع والتأصيل لردها، والكلام الذي أشرت إليه لم يمدح فيه المولد ولا المحتفلين به؛ لكون ذلك غير ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن صحابته الكرام -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-، كما قررنا ذلك في الفتاوى المحال عليها آنفا، ولكنه استعمل مع المحتفلين بالمولد قاعدة العدل مع المخالف، فبعد أن رد عليهم بدعتهم، بين -رحمه الله تعالى- أنهم عند الله لا يظلمون، بل رجا لهم أن يجازوا على ما وقر في قلوبهم من محبة وتعظيم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حملتهم على الاحتفال بمولده، وتزيين الشوارع والميادين لمقدمه! فقال -رحمه الله تعالى- في كتابه العظيم: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): ...وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيما. والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا - مع اختلاف الناس في مولده - فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرا. ولو كان هذا خيرا محضا، أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص. اهـ. 

وأخيرا لا يفوتنا أن ننبهك أن دينك هو رأس مالك، فلا تأخذه إلا عن الثقات، وأما مواقع الإنترنت فهي تجمع الطيب والخبيث. وعلى هذا فإننا ننصحك بالاشتغال بطلب العلم النافع، وقد سبقت لنا فتاوى تشتمل على برامج ميسرة لطلب العلم الشرعي، منها الفتويين: 51115، 57232.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة