الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المقصود بأهل الفترة: هم كل من لم يبعث إليهم رسول، والأصل في ذكر الفترة ما جاء في قوله تعالى: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير {المائدة:19}.
والمراد بها المدة التي بين عيسى ـ عليه السلام ـ ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن بينهما نبي، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا أولى الناس بابن مريم، الأنبياء أولاد علات، وليس بيني وبينه نبي.
قال البغوي: على فترة من الرسل ـ أي انقطاع من الرسل، واختلفوا في مدة الفترة بين عيسى ـ عليه السلام ـ ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال أبو عثمان النهدي: ستمائة سنة، وقال قتادة: خمسمائة وستون سنة، وقال معمر والكلبي، خمسمائة وأربعون سنة، وسميت فترة لأن الرسل كانت تترى بعد موسى ـ عليه السلام ـ من غير انقطاع إلى زمن عيسى عليه السلام، ولم يكن بعد عيسى عليه السلام سوى رسولنا صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وأقرب الأقوال في مدة الفترة ما في صحيح البخاري عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ست مائة سنة.
ويطلق بعض العلماء اسم أهل الفترة على كل من لم تبلغه الدعوة، أو بلغته على حال لا تقوم عليه الحجة بها كالمجنون ونحوه. والراجح في أهل الفترة ومن في حكمهم ممن لم تبلغه الدعوة أنهم يمتحنون يوم القيامة، وقد بينا ذلك بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 39870، 49293، 3191، 59524 .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة. أخرجه مسلم.
فقد تكلم العلماء في وجه رجائه صلى الله عليه وسلم أن يكون هو صاحب الوسيلة وعدم جزمه بذلك، قال المناوي: ذكره على منهج الترجي تأدبا وتشريعا. اهـ.
وفي عون المعبود: قاله تواضعا، لأنه إذا كان أفضل الأنام فلمن يكون ذلك المقام غير ذلك الهمام عليه السلام، قاله ابن الملك. اهـ.
وقال القرطبي: قال هذا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل أن يبان قوله له بأنه صاحبها، إذ قد أخبر أنه يقوم مقاما لا يقومه أحد غيره، ويحمد الله بمحامد لم يلهمها أحد غيره، ولكن مع ذلك فلا بد من الدعاء فيها، فإن الله يزيده بكثرة دعاء أمته رفعة كما زاده بصلاتهم، ثم إنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور، ووجوب شفاعته صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 185827.
وما جاء في قول السائل: ولماذا نحن الأمة الوحيدة التي لم تر نبيها في الدنيا كسائر الأمم ـ فليس بصحيح على إطلاقه، فمن هذه الأمة من رأى النبي صلى الله عليه وسلم كالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وهم أفضل الأمة وخيرها، ومن هذه الأمة من أتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ولم يره، و له فضله من حيث أنه آمن به دون رؤيته، جاء في مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طوبى لمن آمن بي ورآني مرة، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرار. وصححه الألباني.
وفي بلوغ رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لمن لم يره من أمته زيادة ابتلاء وامتحان، هل يؤمن بالرسالة، أم يكذب بعدم رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الشق الأخير من السؤال فلم يتضح المراد به.
والله أعلم.