السؤال
الحقيقة أعاني من مشكلة، وهي أني بعد ما علمت أني إذا جلست في مجلس غيبة يكون لي من الإثم مثلما يقولون. والآن يصيبني الوسواس بذلك، فيذكرون أن فلانا يشرب الخمر، وهذا يصيبني بالقلق والوسواس، فأقول في نفسي هذا مثل القذف.
فما حكم ما قيل تحديدا من الاتهام بالخمر ونحوه؟ والآن إذا اعترضت على كلامهم فيمكن أن يقال لي:(فهو أنت مقتنع بما يفعل). وأحيانا لا أستطيع القيام من المجلس فمثلا لا يكون هناك مكان آخر أذهب إليه. فما العمل؟ وهذا الأمر يتكرر وقد أرهقني الوسواس. فأفتوني عظم الله أجوركم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنلخص الجواب عن هذا السؤال في النقاط التالية:
1 - لا يطلق القذف في الاصطلاح الشرعي إلا على الرمي بالزنا، أما غير الزنا من المحرمات فالمتهم به لغيره وإن كان مغتابا متعاطيا أسباب الإثم، إلا أنه ليس قاذفا، فلا تناله عقوبة القذف.
2 - اتهام هذا الشخص بشرب الخمر لا يخلو من حالتين:
أ - أن يكون هذا الشخص مجاهرا بفعله معلنا عنه، والمجاهرة هي: إظهار المعصية، والتبجح والافتخار بها بين الأصحاب. وحينئذ فلا إثم ولا غيبة في وصفه ووصمه بما يتعاطى من منكر لعله يرتدع.
ب - أن يكون هذا الشخص مستترا بفعله غير مجاهر، وهذا ينبغي الإنكار عليه، ونصحه، وزجره عن منكره بقدر الطاقة، ثم الستر عليه وعدم التشهير به ما لم تتحقق بذلك مصلحة، فلا يجوز اغتيابه لمجرد التشفي.
وراجع في ضوابط جواز غيبة الفاسق الفتويين التاليتين: 134384 / 198443 .
3 - أصل الحكم في مجالسة من يتعاطى الغيبة هو ما لخصه النووي بقوله في الرياض: باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه. اهـ
وقوله في الأذكار أيضا: اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها، فيجب على من سمع إنسانا يبتدئ بغيبة محرمة أن ينهاه إن لم يخف ضررا ظاهرا، فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه، ومفارقة ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإنكار بلسانه، أو على قطع الغيبة بكلام آخر لزمه ذلك، فإن لم يفعل عصى. اهـ
ومن هذين النقلين تعلم أنه إذا لم يسعك الإنكار باللسان، ولم تقدر على مفارقة المجلس، فلا إثم عليك في البقاء فيه، لكن مع الإنكار بالقلب.
والله أعلم.