تمني موت الظالم على الكفر... رؤية شرعية

0 252

السؤال

عندما أرى شخصا سيئا جدا وأرى أنه لا يأخذ جزاءه في الدنيا, أتمنى أن يرتد عن الإسلام لكي يدخل جهنم, فهل هذا جائز؟ علما أنني لم أشعر هذا الشعور إلا مرة مع معلم كل سلبية فيه نعرفها, ووالله لم أسأل عاقلا في طلاب الصفوف إلا وأجابني أنه شديد الكراهية له, فهو مرتش وظالم ومتملق ومنافق وكذاب ومتكبر ومغرور, فهل مثل هذا الشعور نحو مثل هذا الشخص مقبول؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس هذا الشعور مقبولا، لأنه ينبغي أن يحملك حبك لربك عز وجل على بغض الكفر به سبحانه وتعالى، لا أن تتمنى أن يزيد الكافرون به والمعاندون لدينه واحدا!! ولا يسوغ كونك مظلوما أن تدعو على إنسان بالموت مرتدا ـ والعياذ بالله ـ لأن من لوازم ذلك خلوده في النار وحرمانه من الجنة، وهو من الاعتداء في الدعاء، لاشتماله على الإثم المتمثل في الدعاء على الظالم بأعظم من مظلمته، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الدعاء قصاص، ومن دعا على ظالمه فما صبر. اهـ.

وقال القرافي في الفروق: وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فتكون جانيا عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى {البقرة:194} ولا تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى، ولا بالكفر صريحا أو ضمنا. انتهى.
وانظر مزيد بيان في هذه المسألة في الفتاوى التالية أرقامها: 149281، 28754، 107843، 79602.

وما يدريك، فلعل من تتمنى موته كافرا قد سبق في علم الله تعالى أنه يتحول وليا حميما! وقديما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على صناديد الكفر باللعنة فوجهه الله تعالى إلى ترك ذلك، وأنزل قوله سبحانه: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون {آل عمران: 128}.

والعجيب أن أولئك الكفار الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم باللعنة تحولوا بعد ذلك إلى الإسلام وصاروا من عباد الله الصالحين، وفازوا بشرف صحبة سيد الأولين والآخرين! ففي الصحيحين عن سالم بن عبد الله ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، فنزلت: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون

قال الشيخ ابن سعدي ـ رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية:... إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، وإنما الأمر لله تعالى، هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تدع عليهم، بل أمرهم راجع إلى ربهم، إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم ويمن عليهم بالإسلام فعل، وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك فعل، وقد تاب الله على هؤلاء المعينين وغيرهم، فهداهم للإسلام ـ رضي الله عنهم ـ وفي هذه الآية ما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره. اهـ. 

وقال أيضا: أنزل الله تعالى هذه الآية وبين أن الأمر كله لله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له من الأمر شيء لأنه عبد من عبيد الله، والجميع تحت عبودية ربهم، مدبرون لا مدبرون، وهؤلاء الذين دعوت عليهم، أيها الرسول، أو استبعدت فلاحهم وهدايتهم، إن شاء الله تاب عليهم، ووفقهم للدخول في الإسلام، وقد فعل، فإن أكثر أولئك هداهم الله فأسلموا. اهـ.

وفي المقابل لو أنك دعوت لهذا المدرس بالهداية والتوبة لكان خيرا لك وله، حيث إن عاقبة صلاحه واستقامته امتناعه عن أذية طلابه، كما أن بإمكانكم اتخاذ الوسائل التي تكفه عن غيه وفساده، كالوعظ المباشر له، وإرسال الرسائل المشتملة على تخويفه بالله تعالى وتذكره بأليم عقابه ـ والمكاتبة خير من المخاطبة ـ وكذلك بإمكانكم رفع أمره إلى من بيده اتخاذ الإجراءات النظامية وتطبيق اللوائح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة