السؤال
أريد فتوى بخصوص شركات التسويق الشبكي: قرأت على النت أراء كثيرة جدا وبحثت في الموضوع وكان الغالب تحريم التعامل مع هذه الشركات والاشتراك فيها، وأقول ما دامت فيها شبهة نبتعد عنها أفضل، وسؤالي: تقدم لخطبتي شخص فحاولت إقناعه بترك العمل في هذه الشركة فرفض وهو مقتنع أنه حلال، فـهل يجوز الزواج بشخص يعمل في مثل هذه الشركات؟ وهل هو من يتحمل الوزر وحده أم إن الزوجة ستحاسب؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي نفتي به في التسويق الشبكي أنه محرم، لقيامه على الغرر والمقامرة، وقد سلف أن حررنا في ذلك فتاوى مستفيضة العدد، راجعي منها الفتوى رقم: 147115، مع ما فيها من إحالات.
وللفائدة نسوق لك فتوى اللجنة الدائمة بهذا الشأن وهي: "هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك أن مقصود المعاملة هو العمولات وليس المنتج، فالعمولات تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران فسيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة، فهي محرمة شرعا لأمور:
أولا: أنها تضمنت الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغا قليلا من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنص والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.
ثانيا: أنها من الغرر المحرم شرعا، لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسرا؟ والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، كما رواه مسلم في صحيحه.
ثالثا: ما اشتملت عليه هذه المعاملة من أكل الشركات لأموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة ومن ترغب إعطاءه من المشتركين بقصد خدع الآخرين، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل {النساء: 29}.
رابعا: ما في هذه المعاملة من الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار المنتج وكأنه هو المقصود من المعاملة والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقق غالبا، وهذا من الغش المحرم شرعا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: من غش فليس مني ـ رواه مسلم في صحيحه وقال أيضا: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ـ متفق عليه، وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح، إذ السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا، فإن المشترك يسوق لمن يسوق لمن يسوق، هكذا بخلاف السمسرة التي يسوق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر، وأما القول بأن العمولات من باب الهبة فليس بصحيح، ولو سلم فليس كل هبة جائزة شرعا، فالهبة على القرض ربا، ولذلك قال عبد الله بن سلام لأبي بردة رضي الله عنهما: إنك في أرض، الربا فيها فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فإنه ربا ـ رواه البخاري في الصحيح. والهبة تأخذ حكم السبب الذي وجدت لأجله ولذلك قال عليه الصلاة والسلام ـ في العامل الذي جاء يقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا جلست في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟ متفق عليه، وهذه العمولات إنما وجدت لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من الأسماء، سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغير ذلك من حقيقتها وحكمها شيئا. ... " انتهى.
أما بخصوص قبول الخاطب المتكسب من الحرام: ففي ذلك تفصيل راجعيه في الفتوى رقم: 7011.
والله أعلم.