السؤال
ما الإعجاز والحكمة في فرض الصلاة على الميت؟ فلماذا لا يدفن الميت دون صلاة - باستثناء أنه صالح أو غير صالح -؟ أي: ما الحكمة من الصلاة على الميت؟
ما الإعجاز والحكمة في فرض الصلاة على الميت؟ فلماذا لا يدفن الميت دون صلاة - باستثناء أنه صالح أو غير صالح -؟ أي: ما الحكمة من الصلاة على الميت؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل شرع للمسلمين الصلاة على أمواتهم، قال النووي: وأجمعوا على أنها فرض كفاية .اهـ
ومن الحكمة في مشروعيتها: الدعاء للميت، والاستغفار له، قال ابن القيم: ومقصود الصلاة على الجنازة: هو الدعاء للميت؛ لذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم, ونقل عنه ما لم ينقل من قراءة الفاتحة والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال الهيتمي في شرح المنهاج: (السادس: - من أركان صلاة الجنازة - الدعاء للميت) بخصوصه بأقل ما ينطلق عليه الاسم؛ لأنه المقصود من الصلاة, وما قبله مقدمة له .اهـ
ويستثنى من ذلك شهيد المعركة, فإنه لا يصلى عليه عند جمهور العلماء, قال ابن عبد البر في التمهيد: وأما الصلاة عليهم فإن العلماء اختلفوا في ذلك واختلف فيه الآثار: فذهب مالك, والليث, والشافعي, وأحمد, وداود إلى أن لا يصلى عليهم؛ لحديث الليث عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قتلى أحد - على ما تقدم ذكره - وقال فقهاء الكوفة والبصرة والشام: يصلى عليه, ورووا آثارا كثيرة, أكثرهم مراسيل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة وعلى سائر شهداء أحد .اهـ
وقال الهيتمي في بيان الحكمة من عدم الصلاة على الشهيد: لأنه حي بنص القرآن, وإبقاء لأثر شهادتهم, وتعظيما لهم باستغنائهم عن دعاء الغير, وتطهيره لتوهم النقص فيهم, وبه فارقوا غسله - صلى الله عليه وسلم - والصلاة عليه؛ لأن كل أحد يقطع بأنه غير محتاج لذلك, وأن القصد به التشريع, وزيادة الزلفى فقط, فلم يحتج لإظهار استغناء .اهـ
وينبغي أن يعلم العبد أن عليه الانقياد والتسليم للحكم الشرعي، وإن لم يعلم الحكمة منه، فليس كل حكم شرعي له علة يعلمها العباد، وما يستنبط أحيانا من العلل قد يكون فيه نوع من القصور يجعله عرضة للأخذ والرد، فأولى ما يقال في تعليل الأحكام الشرعية: أن الشرع قد جاء بها، قال الشيخ ابن عثيمين: فنهي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره الشرعي هو العلة بالنسبة للمؤمن, بدليل قوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36], فالمؤمن يقول: سمعنا وأطعنا, ويدل لذلك أن عائشة سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك؛ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة، فبينت أن العلة في ذلك هو الأمر, لكن ذلك لا يمنع أن يتطلب الإنسان الحكمة المناسبة؛ لأنه يعلم أن أوامر الشرع ونواهيه كلها لحكمة، فما هي الحكمة؟ وسؤال الإنسان عن الحكمة في الأحكام الشرعية أو الجزائية أمر جائز، بل قد يكون مطلوبا إذا قصد به العلم؛ ولهذا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في النساء: إنكن أكثر أهل النار، قلن: بم يا رسول الله؟ فسألن عن الحكمة؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن, وتكفرن العشير, وأما إذا قصد أنه إن بانت العلة امتثل, وإلا فلا، فالسؤال حينئذ حرام؛ لأنه لازمه قبول الحق إن وافق هواه، وإلا فلا. اهـ.
والله أعلم.