السؤال
زوجي يدخن بشراهة ويشتري الدخان بالكروز، فأقوم بأخذ علبتين أو أكثر وأخفيهما دون أن يشعر، على أمل أن يساعده ذلك على الإقلاع فليس منه إلا أن يشتري المزيد، والسؤال: ما حكم التصرف في علب السجائر المحتجزة عندي؟ وهل أردها إليه؟ أم أتخلص منها؟ أم أستبدلها بشيء آخر من البقالة؟ علما بأن السجائر ليست رخيصة الثمن، وهو غير مكترث وكلما شعر أنها ستنفد بادر بشراء المزيد، أفيدوني بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشرب الدخان من المنكرات التي يجب إنكارها بحسب الاستطاعة، فمن قدر على إتلاف علبه لمنع شاربه منه وحمله على الإقلاع أو التخفيف منه دون حصول ضرر أكبر عليه بسبب ذلك، فيشرع له ذلك الفعل ولو لم يكن صاحب ولاية وسلطة، وقد ذهب أهل العلم إلى أنه لو أتلف هذه الأشياء المنكرة لم يضمن، قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع على زاد المستقنع في سياق بيان ما لا ضمان فيه من المحرمات: قوله: وكسر مزمار، يعني: كما لا يضمن كسر المزمار، لأن هذا من باب تغيير المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.... ثم قال رحمه الله: إذا المزمار من آلات العزف التي لا تباح بحال، وعلى هذا فيجب إتلافه، فإذا أتلفه متلف لم يكن عليه ضمان، وهل يجب على الواحد من الناس أن يكسر هذه المزامير؟ الجواب: لا، لأنه ليس له السلطة، وهل يجوز أن يكسرها؟ ينظر، إن كان يترتب على ذلك ضرر أكبر، فإنه لا يكسرها، كما لو حصلت فتنة في تكسيرها بأن يقوم صاحبها على هذا وينازعه ويخاصمه وربما يحصل بينهما شر، فهنا لا يكسرها، ولكن إذا سمعها يهرب منها، وإن لم يكن فتنة بحيث أتى على حين غفلة ووجدها وكسرها فلا بأس، لكن مع هذا إذا كان يخشى أنه يمكن أن يتتبع حتى يعرف ويحصل الشر والفتنة، فإنه لا يجوز له أن يكسرها فضلا عن كونه يجب....
وقال في موضع آخر: فإذا قال قائل: هل يجوز أن أسطو على صاحب آلة اللهو وآخذها، وأكسرها؟ الجواب: فيه تفصيل إذا كان لك سلطة فنعم، أما إذا لم يكن لك سلطة فلا تفعل، لأن ذلك يسبب فتنة أكبر من بقائها عنده، وقد تتمكن وقد لا تتمكن، فقد يدافع هو ولا تتمكن، ولكن إذا أخذتها خفية وسرا على وجه لم يعلم به، وكسرتها، فهذا طيب، ولا إثم عليك وليس فيه فتنة. انتهى.
وبهذا يتبين لك أنه لا حرج عليك في إخفاء علب الدخان عن زوجك إن كان ذلك يؤدي إلى حمله على تركها أو التخفيف منها، وإذا كان كذلك فعليك إتلاف ما أخفيته ولا يجوز لك استبداله من صاحب البقالة أو غيره، لأن ما حرم أخذه حرم إعطاؤه، والدخان لا يجوز شربه ولا بيعه ولا شراؤه، فأتلفي ما أخفيته من العلب، وبيني لزوجك حرمة تناوله للدخان وشجعيه على تركه باتباع الوسائل المعينة على ذلك، لأنه بشربه للدخان يعصي ربه ويضر نفسه وزوجه وأولاده ويهلك ماله، فليتق الله تعالى، فهو مسؤول عن ذلك بين يديه غدا، وللفائدة انظري الفتوى رقم: 20739.
وأما لو كان تصرفك بإخفاء علب الدخان عن زوجك وإتلافها لا يأبه له ولا يؤثر عليه، بل يدفعه إلى شراء غيرها فليس لك إخفاؤها ولا إتلافها، لأن ذلك سيؤدي إلى ضرر أكبر مما يرجى وهو إتلافه لمزيد من المال دون تغير المنكر، وقد بين ابن القيم ـ رحمه الله ـ مراتب ودرجات تغيير المنكر في كتابه إعلام الموقعين، فقال: لتغيير المنكر مراتب أربع:
أن يكون تغييره يؤدي إلى زواله ويخلفه معروف خير منه، فهذا واجب التغيير والإنكار.
والمرتبة الثانية: أن يكون تغييره يؤدي إلى زواله، ولكن يخلفه منكر دونه، فهذا واجب التغيير ـ أيضا.
والمرتبة الثالثة: أن يؤدي تغييره إلى زواله، ولكن يخلفه منكر مثله، فهذه مرتبة اجتهاد يوازن فيها الداعية بين المصالح والمفاسد فما ترجح لديه عمل به.
والمرتبة الرابعة: أن يؤدي تغييره إلى زواله، ولكن يخلفه منكر أعظم منه، فهذا يحرم تغييره. انتهى منه بتصرف.
والذي نراه فيما ذكرته أن تصرفك بمجرد إخفاء علب الدخان وإتلافها لا يؤثر على سلوك زوجك ولا يصده عن التدخين بل يؤدي إلى أن يشتري غير ما أخفيته، وفي هذا زيادة إتلاف للمال دون فائدة، فكفي عن ذلك واسلكي مع زوجك سبيلا غيره من النصح والموعظة وإهداء الكتب النافعة التي تبين ضرر التدخين ونحو ذلك.
والله أعلم.