السؤال
لماذا لا يوجد أي تشابه بين قصص القرآن والتاريخ الفرعوني؟ فبرغم كون سيدنا يوسف ذي شأن كبير في مصر, فلا يوجد أي أثر له في الآثار الفرعونية, كذلك فرعون موسى, وسيدنا موسى, فعلى الرغم من غرابة الأحداث, فهي ليست مخلدة في الآثار الفرعونية, مع كثير من الاختلافات فلماذا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى افتراض عدم التشابه بين ما ورد في القرآن المجيد، وبين ما يعرف اليوم بالتاريخ الفرعوني، فإنه بلا ريب في أن القرآن هو الحق الذي يجب أن تصحح الدراسات التاريخية بناء عليه! فإن الدراسات الإنسانية بصفة عامة، والتاريخية بصفة خاصة، عرضة للضياع والخطأ والتزييف والتحريف، بخلاف القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد, هذا من حيث الجملة.
أما التفصيل: فإن التاريخ الفرعوني يحمل في طياته بعض دلائل إعجاز القرآن الكريم، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الباحث التركي هارون يحيى في كتاب المعجزات القرآنية تحت عنوان: (المعجزات التاريخية في القرآن: كلمة هامان المذكورة في القرآن)، قال: كشفت بعض النصوص الواردة في القرآن حول مصر القديمة معلومات تاريخية كانت قد بقيت سرا لا يعلمه أحد حتى وقت قريب, وقد ظهر أن كل كلمة في القرآن قد استعملت بدقة كبيرة وحسب حكمة معينة? هامان هو أحد الأشخاص الذين ورد ذكرهم في القرآن مع فرعون, وقد ورد هذا الاسم في ستة مواضع في القرآن كأحد الأشخاص المقربين جدا من فرعون, في مقابل هذا لا يرد في الفصل الذي يتناول حياة موسى عليه السلام في التوراة اسم هامان, ولكن يرد هذا الاسم في القسم الأخير من العهد القديم على أنه كان مساعد ملك بابل الذي عاش بعد موسى بـ ( 1100) سنة، والذي ظلم اليهود ظلما كبيرا, هذا علما بأن البعض من غير المسلمين يدعون بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كتب القرآن نقلا عن التوراة والإنجيل ومقتبسا منهما، وأنه أخطأ عند نقل بعض المواضيع من هذين الكتابين!! ولكن بعد حل رموز الكتابة الهيروغلوفية قبل 200 سنة تقريبا سقط هذا الادعاء تماما، إذ ظهر ورود اسم هامان في هذه الكتابات المصرية القديمة, حتى ذلك الحين لم يكن من الممكن قراءة الكتابات المصرية القديمة المكتوبة باللغة الهيروغلوفية التي كانت لغة مصر القديمة ... على إثر حل لغز اللغة الهيروغلوفية تم الوصول إلى معلومات مهمة تتعلق بموضوعنا... كان اسم هامان مذكورا في هذه الكتابات، فعلى حجرية موجودة حاليا في متحف ''هوف'' في فينا يرد هذا الاسم، وترد الإشارة إلى كونه من المقربين من فرعون, أما في قاموس'' الأشخاص في الملكية الجديدة'' الذي تمت كتابته اعتمادا على جميع المعلومات الواردة في جميع الألواح والرقم والأحجار المصرية القديمة فيرد اسم هامان على أنه كان الشخص المسؤول عن عمال مقالع الأحجار, وكانت النتيجة التي ظهرت للعيان تشير إلى حقيقة مهمة وهي أنه بخلاف زعم معارضي القرآن وأعدائه فإن هامان كان يعيش في مصر في عهد النبي موسى، تماما كما ورد في القرآن، وكان مقربا من فرعون ومسؤولا عن الأعمال الإنشائية والبناء؛ لذا نرى في القرآن أن فرعون يطلب من هامان بناء صرح عال له، وهذا يتطابق تماما مع هذه المكتشفات الأثرية والتنقيبية: {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين} (القصص/ 38) والخلاصة: إن اكتشاف اسم هامان في الكتابات المصرية القديمة هدم مزاعم كثيرة باطلة ضد القرآن, وأثبت أن القرآن من عند الله تعالى؛ لأنه كان ينقل إلينا بشكل معجز في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم معلومة تاريخية لم يكن في الإمكان معرفتها آنذاك من قبل أي أحد. اهـ.
ثم قال تحت عنوان: (الألقاب الواردة في القرآن حول حكام مصر القديمة): لم يكن موسى عليه السلام هو النبي الوحيد الذي عاش في مصر القديمة، فقد عاش النبي يوسف عليه السلام قبله بعدة قرون, عندما نقرأ في القرآن القصص عن يوسف وعن موسى - عليهما السلام - يسترعي انتباهنا تفصيل معين، فالقرآن يستعمل لقب ''الملك'' عند حديثه عن حاكم مصر آنذاك: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} (يوسف/54) بينما يستعمل القرآن لقب'' فرعون'' عند حديثه عن الحاكم في عهد موسى {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا} (الإسراء/101) وتخبرنا السجلات التاريخية عن سبب اختلاف اللقب بين هذين الحاكمين في مصر: كانت كلمة ''فرعون'' اسما يطلق على القصر الملكي، ولم يكن الحكام في العهود الملكية القديمة يستعملون هذا الاسم كلقب, أما استعمال كلمة ''فرعون'' كلقب فقد بدأ في ''العهد الملكي الجديد'' الذي بدأ في عهد الأسرة الثامنة عشرة (1539- 1292ق. م) وفي عهد الأسرة العشرين (945- 730 ق.م) كانت كلمة ''فرعون'' تستعمل من أجل إظهار الاحترام والتوقير, هنا يظهر الأسلوب المعجز للقرآن، فقد عاش النبي يوسف في العهد الملكي القديم؛ لذا لم يكن اللقب المستعمل عند حكام مصر لقب'' فرعون''، بل لقب '' الملك'', أما موسى فقد عاش في العهد الملكي الجديد، أي في العهد الذي كان الحكام يستعملون لقب'' فرعون'', ولا شك أنه لمعرفة مثل هذه الفروق الدقيقة يجب الاطلاع على تاريخ مصر القديمة, بينما ذكرنا قبل قليل أن تاريخ مصر القديمة بقي مجهولا لعدم القدرة على قراءة كتاباتها القديمة التي انمحت تماما ونسيت وانقرضت في القرن الرابع الميلادي, واستمر هذا حتى التوصل إلى حل رموزها في القرن التاسع عشر؛ لذا فلم يكن أحد يملك في العهد الذي نزل فيه القرآن أي معلومات مفصلة حول التاريخ القديم لمصر, وهذا دليل آخر ضمن الأدلة التي لا تعد ولا تحصى على أن القرآن كلام من عند الله تعالى. اهـ.
ومن لطيف ما يذكر هنا أن الطبيب الألماني موريس بوكاي أسلم بسبب دراسة أجراها على مومياء منبتاح خليفة رمسيس الثاني الذي يعتقد أنه فرعون موسى، وكشف في كتابه القرآن والعلم الحديث عن تطابق ما ورد في القرآن الكريم بشأن مصير فرعون موسى بعد إغراقه في اليم مع الواقع المتمثل في وجود جثته إلى يومنا هذا آية للعالمين، كما قال تعالى: فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك ءاية وإن كثيرا من الناس عن ءاياتنا لغافلون (يونس:92).
وعلى أية حال, فهناك كثير من الأبحاث التاريخية حول الحقبة الزمنية لنبي الله يوسف، وقد ذهب بعضهم إلى أن يوسف عليه السلام هو إمحوتب النابغة الذي ظهر سنة 2800 قبل الميلاد, وعمل في القصر الملكي للملك زوسر أحد ملوك الأسرة الثالثة, جاء في الموسوعة الحرة: تاريخ إمحوتب غامض من حيث ظهوره واختفائه، فعلى الرغم من الإبداع الفني الذي أحدثه في العمارة واكتشافاته الطبية العديدة، نجده يختفي بشكل غريب وغامض جدا من التاريخ الفرعوني بحيث لم يعد يذكر أي شيء عنه وكأنه لم يكن موجودا من قبل!! ومما يثير الاستغراب أكثر هو اختفاء قبره, والكتب التي ألفها مما يجعل اختفائه بهذا الشكل الغامض لغزا بحد ذاته! وقد عجز علماء الآثار عن إيجاد أو العثور على قبره أو حتى العثور على بعض مؤلفاته, كما نجد أن معنى اسم (إمحوتب) يثير الغموض أيضا، ويصبح لغزا يضاف لهذه الشخصية، فمعنى اسمه في اللغة الفرعونية (الذي جاء في سلام) ! فكأنه جاء وأحدث كل هذا التطور العمراني والطبي وذهب بسلام وهدوء. اهـ.
ومن الباحثين من ذهب إلى أن يوسف - عليه السلام - لم يكن أصلا في زمن حكم الفراعنة لمصر، وإنما كان في زمن حكم ملوك الهكسوس, والله أعلم بحقيقة الحال.
ويبقى ما في القرآن من الحقائق هو القدر المتيقن الموثوق فيه، وما عداه فيعرض عليه: فإن وافقه قبل، وإن خالفه رد.
والله أعلم.