السؤال
طرحت هذا السؤال على أحد الشيوخ وهو: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أما بعد: فمن المعلوم أن معرفة وقت نزول المطر من مفاتيح الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله, ولكن كيف نوفق بينها وبين نشرة أحوال الطقس التي تعلم متى سوف يسقط المطر, وبتوقيت محدد, وشكرا" فأجابني: "الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله, نشرة أحوال الطقس ليست من ادعاء علم الغيب، بل هي من علم الشهادة؛ لأن الأقمار الصناعية تصور السحاب وحركة المنخفضات والمرتفعات والرياح، وليس في ذلك شبه بدعوى علم الغيب, وقد جاء في موطأ الإمام مالك (1/192) (أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت؛ فتلك عين غديقة) وهذا دليل على أن الإخبار عن المطر عن مشاهدة ومراقبة وخبرة ليس من دعوى علم الغيب, جاء في تنوير الحوالك للسيوطي: "(إذا أنشأت بحرية) أي: ظهرت سحابة من ناحية البحر، (ثم تشاءمت) أي: أخذت نحو الشام، (فتلك عين غديقة) أي: ماء كثير", وكون تنزيل الغيث من مفاتيح الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله المقصود به قبل أن تصبح مشاهدة، فالله عز وجل يعلم وقت الساعة، وتنزيل الغيث، وكل ما في الأرحام، وماذا يكسب الإنسان في غده، وبأي أرض يموت، كلها يعلمها قبل وقوعها وقبل ظهور أسبابها ومقدماتها، فذلك الذي يختص به عز وجل، وإلا فبعد ظهورها أو بدايات أسبابها ومقدماتها يعلمها البشر, يقول ابن عبد البر - رحمه الله - في التعليق على الحديث السابق في الموطأ: "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خرج على العادة المعهودة من حكم الله وفضله؛ لأنه يعلم نزول الغيث حقيقة بشيء من الأشياء قبل ظهور السحاب". والله أعلم" فما رأيكم في الإجابة؟ وهل يوجد جواب شاف أكثر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكر في الفتوى صحيح, وبمثل ذلك قال جمع من المعاصرين من أهل العلم؛ حيث ذكروا أن التوقع الذي تخبر به مصالح الأرصاد الجوية لا يعتبر من القول في الغيب, فقد جاء في فتاوي اللجنة الدائمة: معرفة الطقس, أو توقع هبوب رياح أو عواصف, أو توقع نشوء سحاب, أو نزول مطر في جهة مبني على معرفة سنن الله الكونية، فقد يحصل ظن لا علم لمن كان لديه خبرة بهذه السنن عن طريق نظريات علمية, أو تجارب عادية عامة فيتوقع ذلك ويخبر به عن ظن لا علم فيصيب تارة ويخطئ أخرى.
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: وليس من الكهانة في شيء من يخبر عن أمور تدرك بالحساب؛ فإن الأمور التي تدرك بالحساب ليست من الكهانة في شيء، كما لو أخبر عن كسوف الشمس أو خسوف القمر؛ فهذا ليس من الكهانة لأنه يدرك بالحساب، وكما لو أخبر أن الشمس تغرب في عشرين من برج الميزان مثلا في الساعة كذا وكذا؛ فهذا ليس من علم الغيب؛ لأنه من الأمور التي تدرك بالحساب؛ فكل شيء يدرك بالحساب، فإن الإخبار عنه ولو كان مستقبلا لا يعتبر من علم الغيب، ولا من الكهانة, وهل من الكهانة ما يخبر به الآن من أحوال الطقس في خلال أربع وعشرين ساعة أو ما أشبه ذلك؟ الجواب: لا؛ لأنه أيضا يستند إلى أمور حسية، وهي تكيف الجو؛ لأن الجو يتكيف على صفة معينة تعرف بالموازين الدقيقة عندهم؛ فيكون صالحا لأن يمطر، أو لا يمطر، ونظير ذلك في العلم البدائي إذا رأينا تجمع الغيوم والرعد والبرق وثقل السحاب، نقول: يوشك أن ينزل المطر, فالمهم أن ما استند إلى شيء محسوس؛ فليس من علم الغيب، وإن كان بعض العامة يظنون أن هذه الأمور من علم الغيب، ويقولون: إن التصديق بها تصديق بالكهانة. انتهى.
وجاء في بحث حول الغيب كتبه الدكتور عبد الشكور بن محمد أمان العروسي الأستاذ بقسم العقيدة - كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى قال فيه: فإن قيل: إذا كان الخلق لا يعلمون ما يستقبل من الحوادث، فكيف استطاع الفلكيون معرفة تواريخ الكسوف وساعاته، واستطاع مراقبو أحوال الطقس عن طريق المراصد الجوية الإخبار بأخباره قبل حدوثه, قيل: إن ذلك من التجارب البشرية المتكررة التي مكنت العلماء الذين يقومون بالرصد المتواصل من توقع تلك الحوادث على سبيل التوقع والظن, لا على سبيل العلم واليقين, فكما يستنتج أحدنا تقابل قطارين في نقطة معينة إذا كان انطلاقها في وقت واحد وسرعة واحدة سائرا كلا منهما في الاتجاه المواجه للآخر, فكذلك توقع الفلكيين مرور القمر بين الأرض والشمس في موضع معين في ساعة معينة لا يدل على علم الغيب، وإنما هو توقع مبني على التجارب والملاحظات المتواصلة، والاختبارات المتكررة. وهذا مما لا يجزم بحدوثه ووقوعه، والعلم بالشيء هو الجزم بما هو عليه، أو بما سيقع لا محالة، فليتأمل. اهـ
والله أعلم.