السؤال
ماهي دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن دلائل النبوة في حادثة الإفك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفى عليه بعض ما يعنيه من الشؤون، ويهمه من الأمور، فلا يدعي فيه دعوى أن عنده خبرا عنه، وإنما كان يتوقف منتظرا للوحي، فقد توقف في هذه الحادثة مدة حتى نزل الوحي ببراءة عائشة زوجه، وبنت صديقه.
فقد جاء في كتاب: ( الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين ): في بعض المواقف تكون حاجة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للقرآن شديدة، بل لقد كانت تنزل به نوازل من شأنها أن تحفزه إلى القول، وكانت حاجته القصوى تلح عليه أن يتكلم، بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له مقالا ومجالا، ولكنه كانت تمضي الليالي والأيام تتبعها الليالي والأيام, ولا يجد في شأنها قرآنا يقرؤه على الناس؛ ومع هذا لم يتقوله ولم ينزل عليه شيء، مما يدلك على صدقه؛ إذ الكاذب لا يتأخر في افتراء الكذب عند الحاجة الماسة إليه، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
أ-عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث, وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة, فقالوا لهم: سلوهم عن محمد, وصفوا لهما صفته, وأخبروهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول, وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة، فسألوا أحبار يهود عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ), ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة, وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا. قال: فقالوا لهم: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن, فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإلا فرجل متقول فتروا فيه رأيكم؛ سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم, فإنهم قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي، فاتبعوه, وإن لم يخبركم، فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر، وعقبة حتى قدما على قريش, فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد, قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور . فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) , فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به, فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : أخبركم غدا عما سألتم عنه ولم يستثن، فانصرفوا عنه ومكث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خمس عشرة ليلة, لا يحدث الله له في ذلك وحيا, ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام حتى أرجف أهل مكة, وقالوا: وعدنا محمد غدا, واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله ( مكث الوحي عنه, وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبرائيل- عليه السلام - من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف, فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم, وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية, والرجل الطواف, وقول الله عز وجل: ويسألونك عن الروح قل الروح.... الآية.
ب- فترة الوحي في حادث الإفك: ألم يرجف المنافقون بحديث الإفك عن زوجه -عائشة رضي الله- عنها وأبطأ الوحي، وطال الأمر والناس يخوضون، حتى بلغت القلوب الحناجر, وهو لا يستطيع إلا أن يقول بكل تحفظ واحتراس: إني لا أعلم عنها إلا خيرا . ثم إنه بعد بذل جهده في التحري والسؤال واستشارة الأصحاب، ومضى شهر بأكمله, والكل يقولون ما علمنا عليها من سوء، لم يزد على أن قال لها آخر الأمر: يا عائشة؛ أما إنه بلغني كذا و كذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله . هذا كلامه بوحي ضميره، وهو كما ترى كلام البشر الذي لا يعلم الغيب، وكلام الصديق المتثبت الذي لا يظن ولا يقول ما ليس له به علم، على أنه لم يغادر مكانه بعد أن قال هذه الكلمات حتى نزل صدر سورة النور معلنا براءتها، ومصدرا الحكم المبرم بشرفها وطهارتها. فماذا كان يمنعه - لو أن أمر القرآن إليه - أن يتقول هذه الكلمات الحاسمة من قبل؛ ليحمي بها عرضه, ويذب بها عن عرينه, و ينسبها إلى الوحي السماوي, لتنقطع ألسنة المتخرصين ؟ ولكنه ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. ولو تقول علينا بعض الأقاويل {الحاقة:44} لأخذنا منه باليمين {الحاقة:45} ثم لقطعنا منه الوتين {الحاقة:46} فما منكم من أحد عنه حاجزين {الحاقة:47}. اهـ.
والله أعلم.