الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيا أيها الأخ الكريم قد تكررت منك الأسئلة في إيراد أنوع الشبهات حول إعفاء اللحية، وكثير مما أوردته في هذا السؤال سبق أن أوردته في أسئلة سابقة، وأجبناك عنها، كما في الفتويين رقم: 201439، ورقم: 202057.
وأما يتعلق بصفة لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن من أصح ما جاء فيها ما أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية.
وحديث البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا، عريض ما بين المنكبين، كث اللحية. رواه النسائي وصححه الألباني.
وانظر مزيد بيان لوصف لحيته صلى الله عليه وسلم في الفتوى رقم: 137471.
وأما ما يتعلق بالحديث الذي أخرجه مسلم من طريق مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء ـ قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، زاد قتيبة، قال وكيع: انتقاص الماء: يعني الاستنجاء ـ فهو وإن كان في صحيح مسلم فقد أعله بعض الأئمة، قال النسائي: وحديث سليمان التيمي وجعفر بن إياس ـ الذي روياه عن طلق مرسلا ـ أشبه بالصواب من حديث مصعب بن شيبة، ومصعب منكر الحديث. اهـ.
وقال العقيلي عن مصعب بن شيبة: أحاديثه مناكير، منها عشرة من الفطرة .اهـ بتصرف.
وقال الدارقطني: خالفه رجلان حافظان: سليمان وأبو بشر روياه عن طلق بن حبيب من قوله ـ قاله معتمر عن أبيه وأبو عوانة عن ابن بشر، ومصعب منكر الحديث، قاله النسائي. اهـ.
وقال ابن عبد البر: روت عائشة وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: عشر من الفطرة، منها قص الشارب، وفي إسناديهما مقال. اهـ.
ولا يلزم من تضعيف هذا الحديث القول بأن اللحية ليست من خصال الفطرة.
وأما القول بأن الأصل في سنن الفطرة أنها مستحبات إلا بقرينة: فعلى التسليم به، فاللحية قد أتت النصوص الكثيرة بإيجاب إعفائها وإرخائها وتوفيرها.
وأما دلالة الاقتران فهي ضعيفة، وليست بحجة عند أكثر الأصولين.
والتعليل الذي وردت به النصوص في الأمر بإعفاء اللحى هو مخالفة المشركين وكونه من سنن الأنبياء، فعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين: وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب. متفق عليه .
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس. أخرجه مسلم.
وينبغي أن يعلم العبد أن عليه الانقياد والتسليم للحكم الشرعي، وإن لم يعلم الحكمة منه، فليس كل حكم شرعي له علة يعلمها العباد، وما يستنبط أحيانا من العلل قد يكون فيه نوع من القصور يجعله عرضة للأخذ والرد، فأولى ما يقال في تعليل الأحكام الشرعية: أن الشرع قد جاء بها، قال الشيخ ابن عثيمين: فنهي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره الشرعي هو العلة بالنسبة للمؤمن, بدليل قوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم { الأحزاب: 36} فالمؤمن يقول: سمعنا وأطعنا, ويدل لذلك أن عائشة سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ـ فبينت أن العلة في ذلك هو الأمر, لكن ذلك لا يمنع أن يتطلب الإنسان الحكمة المناسبة، لأنه يعلم أن أوامر الشرع ونواهيه كلها لحكمة، فما هي الحكمة؟ وسؤال الإنسان عن الحكمة في الأحكام الشرعية أو الجزائية أمر جائز، بل قد يكون مطلوبا إذا قصد به العلم، ولهذا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في النساء: إنكن أكثر أهل النار ـ قلن: بم يا رسول الله؟ فسألن عن الحكمة؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن, وتكفرن العشير ـ وأما إذا قصد أنه إن بانت العلة امتثل وإلا فلا، فالسؤال حينئذ حرام، لأنه لازمه قبول الحق إن وافق هواه، وإلا فلا. اهـ.
والله أعلم.