السؤال
هل كل آية في القرآن قال الله فيها: ياأيها الذين ءامنوا ـ لا تعني الإيمان في الحقيقة، وإنما على سبيل المجاز، كما قال البيضاوي في الإبهاج في شرح المنهاج، شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي الجزء الثاني: ص:426ـ إن لفظي المؤمنين والأمة يصدق على الأكثر، كما يقال على البقرة إنها سوداء وإن كان فيها شعرات بيض، والزنجي إنه أسود مع بياض حدقته وأسنانه، والجواب أن صدق إطلاق ألفاظ العموم على الأكثر إنما هو على سبيل المجاز وليس على الحقيقة؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل حمل اللفظ الشرعي على حقيقته وعمومه, حتى يثبت ما يفيد حمله على غير ذلك: وأما الكلام المنقول: فلعل السائل لم يقرأه من نفس الكتاب المذكور، فلو أنه قرأه منه بتأمل من أوله لآخره لعلم أنه لا يراد به ما ذكر في السؤال من حمل كل الآيات في الإيمان على المجاز، فما جاء في الإبهاج إنما جاء في نقاش دخول الأقل في الأكثر مجازا، فلو ورد خطاب ذكر فيه المؤمنون أو الأمة فيمكن حمله على الأكثر، ولم يرد به أن المؤمن الصادق في إيمانه ليس إيمانه حقيقيا، فقد قال صاحب الإبهاج: وإذا ثبت اشتراط قول جميع المجتهدين في الإجماع، قال صاحب الكتاب: فلو خالف واحد لم يكن قول غيره إجماعا، لأن قوله سبيل المؤمنين يتناول الكل وليسوا دون الواحد كل المؤمنين، هذا مذهب الجمهور، وقال الإمام الجليل محمد بن جرير وأبو الحسين بن أبي عمر والخياط المعتزلي وأبو بكر الرازي وكذا أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه: ينعقد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل، كذا أطلق النقل عنهم الآمدي، وهو قضية إيراد المصنف وخصص الإمام النقل عنهم بالواحد والاثنين، قال الآمدي: وذهب قوم إلى أن عدد الأقل إن بلغ عدد التواتر لم يعتد بالإجماع دونه وإلا اعتد به، قلت: وهذا ما ذكر القاضي في مختصر التقريب أنه الذي يصح عن ابن جرير، وقال أبو عبد الله الجرجاني: أن سوغت الجماعة الاجتهاد في مذهب المخالف كان خلافه معتدا به، وإلا فلا، ومنهم من قال اتباع الأكثر أولى ويجوز خلافه، وهو مذهب لا تحرير فيه، لأنا نسلم أنه إذا تعادل الرأيان وكان القائلون بأحدهما أكثر رجح جانب الكثرة، وإنما الكلام في التحتم، ومنهم من قال هو حجة وليس بإجماع، ورجحه ابن الحاجب، فإنه قال لو ندر المخالف مع كثرة المجمعين لم يكن إجماعا قطعا، قال: والظاهر أنه حجة لبعد أن يكون الراجح متمسك المخالف، قال صفي الدين الهندي: والظاهر أن من قال إنه إجماع فإنما نجعله إجماعا ظنيا لا قطعيا، وبه يشعر إيراد بعضهم لنا أن الصحابة أجمعوا على ترك قتال مانعي الزكاة إلا أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ولم يقل أحد أن خلافه غير معتد به، بل رجعوا إليه حين المناظرة، واحتج ابن جرير ورفقته بوجهين ذكرهما في الكتاب:
أحدهما: أن لفظي المؤمنين والأمة يصدق على الأكثر، كما يقال على البقرة إنها سوداء وإن كان فيها شعرات بيض، وللزنجي أنه أسود مع بياض حدقته وأسنانه، والجواب: أن صدق إطلاق ألفاظ العموم على الأكثر إنما هو على سبيل المجاز وليس حقيقة، لأنه يجوز أن يقال لمن عدا الواحد من الأمة ليسوا كل الأمة ويصح استثناؤه منهم، وهذا واضح. اهـ.
والله أعلم.