القذف.. حكمه.. أنواعه.. وضابط كل نوع وعقوبته

0 406

السؤال

أرجو من الإخوة الأفاضل توضيح قذف المحصنات، وهل إذا قلنا مثلا: فلانة تجلس مع فلان ساعات طويلة في مكتبه يعد من قذف المحصنات أو أن فلانا يستغل فلانة ويضحك عليها يعد من قذف الحصنات، أو فلانة هربت مع فلان، أو فلانة على علاقة مع فلان؟ الرجاء توضيح معنى قذف المحصنات وكيفية التكفير عن هذه الغبية، أو القذف، ولكم مني جزيل الشكر والعرفان.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن قذف المحصنات محرم بالكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فقول الله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون {النور:4}.

وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله والسحر, وقتل النفس التي حرم الله, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. متفق عليه.

وأما الإجماع: فقد حكاه غير واحد ـ منهم ابن قدامة في المغني ـ والقذف عرفه صاحب مغني المحتاج بأنه: الرمي بالزنا في معرض التعيير. انتهى.

وهو على ثلاثة أنواع: صريح، وكناية، وتعريض، وقد ذكر الشربيني في الإقناع ضابط هذه الأنواع الثلاثة، فقال رحمه الله: فاللفظ الذي يقصد به القذف إن لم يحتمل غيره فصريح، وإلا فإن فهم منه القذف بوضعه فكناية, وإلا فتعريض. انتهى.
وعليه؛ فالذي يظهر من هذه الألفاظ المذكورة في السؤال أنها من قسم الكنايات، فقد جاء في الإقناع للشربيني بعض الألفاظ القريبة مما ههنا كوصف المرأة بأنها تحب الخلوة، حيث قال في ذكره أمثلة للكنايات: ولامرأة: يا فاجرة, يا فاسقة، يا خبيثة، وأنت تحبين الخلوة, أو الظلمة, أو لا تردين يد لامس. انتهى.

وعليه؛ فإذا كان المتكلم لم يقصد بها الرمي بالزنا، وإنما قصد الشتم فقط، فلا حد عليه، لكنه يستحق أن يؤدبه الحاكم بما يردعه عن ذلك، جاء في الموسوعة الفقهية قولهم: واتفق الفقهاء على أن القذف بصريح الزنا يوجب الحد بشروطه، وأما الكناية: فعند الشافعية والمالكية إذا أنكر القذف صدق بيمينه، وعليه التعزير عند جمهور فقهاء الشافعية للإيذاء، وقيده الماوردي بما إذا خرج اللفظ مخرج السب والذم، فإن أبى أن يحلف حبس عند المالكية، فإن طال حبسه ولم يحلف عزر. انتهى.
وأما التكفير عن هذه الأقوال: فإن كانت قذفا بأن أقر القائل بإرادته له، وأقيم عليه الحد فهو كفارة له، ففي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، وقرأ هذه الآية كلها، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به، فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.
وأما إن لم يقر بالقذف وعزر: فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن التعزير يطهر صاحبه، فقد جاء في الموسوعة الفقهية حكايتهم قول الفقهاء: إن التعزير شرع للتطهير، لأن ذلك سبيل لإصلاح الجاني. انتهى.

وأما إن لم يحد ولم يعزر بهذه الأقوال: فكفارة ذلك التوبة، ولا تتم إلا بطلب العفو من المقذوف، إلا أن يخشى من إخباره مفسدة ومضرة، وقد سبق بيان كيفية التوبة في الحالين في الفتوى رقم: 111563.

وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتوى رقم: 126407.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة