بيان أن التعزير مفوض إلى رأي الإمام بما تقتضيه المصلحة ويمنع الجريمة

0 279

السؤال

ما هي عقوبة من يعاكس الفتيات؟ لم أجد في الشريعة الإسلامية عقوبة لمعاكس الفتيات, ليس هذا فحسب، وإنما قام بعض القضاة بإطلاق تشريعات خاصة ومتضاربة فيما بينها، ففي القضاء السعودي منهم من حكم بستين جلدة أمام مكان تجمع الفتيات والنساء، وقاض آخر حكم بثمانين جلدة في المكان الذي عاكس فيه البنات، وآخر حكم بتغسيل خمس جنائز، والسؤال: على أي أساس شرعي أصدر هؤلاء القضاة أحكامهم؟ وهل يعتبر هذا حكما بغير ما أنزل الله؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكرك على الاتصال بنا ـ بارك الله فيك ـ وما ذكرته عن القضاة إن ثبت عنهم فليس من الحكم بغير ما أنزل الله، وإنما هو من التعزير، فقد أجمعت الأمة على مشروعية التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، والتعزير يكون بالضرب والحبس والتوبيخ ونحوه، وليس فيه شيء مقدر، وإنما هو مفوض إلى رأي الإمام على حسب ما تقتضيه المصلحة، ويتحقق به الردع عن الجريمة، قال ابن القيم ـ رحمه الله: اختلف الفقهاء في مقدار التعزير على أقوال:

أحدها: أنه بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، فيجتهد فيه ولي الأمر.

الثاني: وهو أحسنها أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد فيها.. وهذا قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد.

والقول الثالث: أنه يبلغ بالتعزير أدنى الحدود إما أربعين وإما ثمانين، وهذا قول كثير من أصحاب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة.

والقول الرابع: أنه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره.

وعلى القول الأول هل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل؟ فيه قولان: أحدهما: يجوز، كقتل الجاسوس المسلم إذا اقتضت المصلحة قتله، وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد، واختاره ابن عقيل..

ثم قال ـ رحمه الله: والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ـ رضي الله عنهم ـ يوافق القول الأول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجلد الذي وطئ جارية امرأته وقد أحلتها له مائة، وأبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ أمرا بجلد من وجد مع امرأة أجنبية في فراش مائة جلدة، وعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ضرب الذي زور عليه خاتمه فأخذ من بيت المال مائة، وعلى هذا يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو في الرابعة فاقتلوه، فأمر بقتله إذا أكثر منه، ولو كان ذلك حدا لأمر به في المرة الأولى. انتهى.

وهذا الذي رجحه ابن القيم من أن التعزير يجتهد فيه ولي الأمر بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة، هو الأتبع للأدلة والأوفق للمصلحة، وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، حتى لقد قال رحمه الله: أفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان سنة أربع بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع بعض أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه، وكنت أفتيتهم قبل هذا بأنه يعاقب عقوبتين: عقوبة على الشرب وعقوبة على الفطر، فقالوا: ما مقدار التعزير؟ فقلت: هذا يختلف باختلاف الذنب وحال المذنب وحال الناس، وتوقفت عن القتل، فكبر هذا على الأمراء والناس حتى خفت أنه إن لم يقتل ينحل نظام الإسلام على انتهاك المحارم في نهار رمضان، فأفتيت بقتله. انتهى.

ومما يذكر في ذلك أن هشام بن عبد الله المخزومي ـ وهو قاضي المدينة ومن صالح قضاتها ـ أتي برجل خبيث معروف باتباع الصبيان قد لصق بغلام في ازدحام الناس حتى أفضى، فبعث به هشام إلى مالك وقال: أترى أن أقتله؟ فقال مالك: أما القتل فلا, ولكن أرى أن تعاقبه عقوبة موجعة, فقال: كم؟ قال: ذلك إليك، فأمر به هشام فجلد أربع مائة سوط, وأبقاه في السجن, فما لبث أن مات، فذكروا ذلك لمالك فما استنكر, ولا رأى أنه أخطأ. اهـ.

وننصحك في الرجوع لهيئة كبار العلماء بالمملكة، فإنهم سيفيدونك في الموضوع إن شاء الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة