السؤال
كيف يكون الأزواج والأولاد عدوا أو فتنة، كما ذكر في القرآن الكريم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حذر الله عباده المؤمنين، وأخبرهم أن من أولادهم وأزواجهم من هو عدو لهم، كما أخبر أن الأموال والأولاد فتنة، وذلك في قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم * إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم [التغابن:15].
والمراد بهذه العداوة أن الإنسان يلتهي بهم عن العمل الصالح، أو يحملونه على قطيعة الرحم، أو الوقوع في المعصية، فيستجيب لهم بدافع المحبة لهم.
ولهذا قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون [المنافقون:9].
وقد أخرج الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلا سأله عن هذه الآية، فقال: هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، أي بعد مدة، ورأوا الناس قد فقهوا في الدين، أي: سبقوهم بالفقه في الدين لتأخر هؤلاء عن الهجرة، فهموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله هذه الآية: وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم [التغابن:14].
وعن عطاء بن يسار، وابن عباس -أيضا- أن هذه الآية نزلت بالمدينة في شأن عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، فكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق لهم فيقعد عن الغزو، وشكا ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت هذه الآية في شأنهم.
فالولد يكون عدوا لأبيه، والزوجة تكون عدوة لزوجها إذا تسببا في صرف الرجل عن طاعة الله أو إيقاعه في معصية الله، وهذا أمر معلوم مشاهد، فكثير من الآباء يقصرون في البذل والإحسان بسبب أبنائهم، ومنهم من يدخل بيته المنكرات استجابة لرغبة أهله وأولاده، ولهذا كان على المسلم أن يحذر حتى يسلم.
وأما كون المال والولد فتنة أي اختبارا وابتلاء، فأمر ظاهر، فمن الناس من يكون المال والولد سببا في صلاحه واستقامته، ومنهم من يطغيه ذلك، ويصرفه عن ربه سبحانه.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأولاد: إنهم لمجبنة محزنة. رواه أحمد. أي قد يدعون أباهم إلى الجبن وعدم الإقدام مع ما يصيبه من الحزن عند فقدهم، وفي رواية: إن الولد مبخلة مجهلة محزنة. رواه الحاكم بسند صحيح. أي يكون سببا في بخل أبيه بالمال، وجبنه عن الإقدام، ووقوعه في الجهل، وانصرافه عن العلم.
والله أعلم.