الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من عليه قضاء صلوات فائتة يجب عليه أن يبادر إلى قضائها في كل وقت من ليل أو نهار، ويجتهد في ذلك قدر استطاعته، وليس القدر الواجب من قضاء الفوائت هو مجرد أن يصلي مع كل صلاة حاضرة صلاة فائتة، بل عليه أن يبادر بقضاء ما يستطيع، قال ابن قدامة في المغني: إذا كثرت الفوائت عليه يتشاغل بالقضاء, ما لم يلحقه مشقة في بدنه أو ماله أما في بدنه فأن يضعف أو يخاف المرض, وأما في المال فأن ينقطع عن التصرف في ماله, بحيث ينقطع عن معاشه, أو يستضر بذلك، وقد نص أحمد على معنى هذا، فإن لم يعلم قدر ما عليه، فإنه يعيد حتى يتيقن براءة ذمته، قال أحمد في رواية صالح, في الرجل يضيع الصلاة: يعيد حتى لا يشك أنه قد جاء بما قد ضيع. اهـ.
فلا يكفي الاقتصار على قضاء صلوات يوم واحد إلا في حال الضرورة، قال الدسوقي المالكي: الواجب حالة وسطى فيكفي أن يقضي في اليوم الواحد صلاة يومين فأكثر، ولا يكفي قضاء صلاة يوم في يوم إلا إذا خشي ضياع عياله إن قضى أكثر من يوم في يوم. انتهى.
وفي حاشية العدوي: والظاهر أن مرادهم بقولهم لم يكن مفرطا أي: مع الأشغال الحاجية أي: أنه مع الأشغال الحاجية أقل ما يقضي كل يوم يومان، وأما عند عدمها فيجب قضاء الممكن .اهـ.
وفي مواهب الجليل: وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: قوله: وكيفما تيسر له يعني من القلة والكثرة ما لم يخرج لحد التفريط، ولا حد في ذلك، بل يجتهد بقدر استطاعته، قال ابن رشد: مع التكسب لعياله ونحوه، لا كما قال ابن العربي عن أبي محمد صالح: إن قضى في كل يوم يومين لم يكن مفرطا ويذكر خمسا، فأما مع كل صلاة صلاة كما تقول العامة: فعل لا يساوي بصلة، ومن لم يقدر إلا على ذلك فلا يدعه، لأن بعض الشر أهون من بعض. اهـ.
وأما الأثر الذي أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي مجلز، قال: قيل لعمران بن حصين: إن سمرة بن جندب، يقول في المغمى عليه: يقضي مع كل صلاة مثلها، فقال عمران: ليس كما يقال يقضيهن جميعا.
فقد استدل به الحنابلة على وجوب القضاء على المغمى، ولم يستدلوا به على تحديد القضاء الواجب بصلوات يوم واحد، وقد يكون رأي سمرة ـ رضي الله عنه ـ هذا خاصا بمن كانت الفوائت قد فاتته بعذر.
وأما صلاة النافلة قبل قضاء الفوائت: فقد ذهب بعض العلماء إلى تحريمها مطلقا إن كانت الفوائت فاتت بلا عذر، قال الهيتمي: بل لا يجوز ـ كما هو ظاهر ـ لمن عليه فائتة بغير عذر أن يصرف زمنا لغير قضائها كالتطوع إلا ما يضطر إليه لنحو نوم، أو مؤنة من تلزمه مؤنته، أو لفعل واجب آخر مضيق يخشى فوته. اهـ.
واستثنى بعض العلماء راتبة الفجر والوتر من تحريم التنفل قبل قضاء الفوائت، ففي حاشية العدوي على شرح الخرشي: ولا تجوز نافلة لمن عليه الفوائت إلا فجر يومه والشفع والوتر، لا غيره كالتراويح، فإن فعل أجر من حيث كونه طاعة وأثم من حيث التأخير. اهـ.
وذهب آخرون من العلماء إلى إباحة النفل المقيد كالرواتب كلها والوتر، جاء في الإقناع وشرحه: ولا يصح نفل مطلق ممن عليه فائتة إذن أي في الوقت الذي أبيح له فيه تأخير الفائتة، لكونه حضر لصلاة عيد أو يتضرر في بدنه، أو نحوه، أو أخرها لغرض صحيح، لتحريمه أي: النفل المطلق إذن كأوقات النهي، لتعيين الوقت للفائتة، كما لو ضاق الوقت الحاضر، ومفهومه: أنه يصح النفل المقيد كالرواتب والوتر، لأنها تتبع الفرائض فلها شبه بها. اهـ.
ولمزيد فائدة تراجع الفتوى رقم: 173331.
فالذي ينبغي هو المبادرة بقضاء الفوائت على كل حال وعدم الاشتغال بالنوافل ولوكانت من الرواتب، احتياطا وخروجا من الخلاف، لا سيما إن كانت الفوائت قد فاتت بلا عذر، وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى التالية أرقامها: 40088، 22577، 61320.
والله أعلم.