السؤال
علماءنا الكرام، أبعث إليكم بعد استخارة الله عز وجل في ذلك الشأن. وأستأذن فضيلتكم بالإفادة المتمعة حتى لا يلحق بي الإثم، وذلك في حكم التعامل مع شركة تسمى star capital مرخصة في دولة نيوزيلاندا، يديرها شخص مصري، تعمل في تجارة العملات في سوق الصرف الأجنبي الفوركس. وأرجو ألا تتأثروا بتلك الكلمة الأخيرة، وتكون هي مقطع مبناكم في الحكم، فنظام تلك الشركة يختلف عما قرأته من محاذير شرعية؛ حيث إن نظامها يتلخص في أن كل ما على العميل القيام به للحصول على ربح (متشبهة في ذلك بشركات توظيف الأموال والبنوك) هو بإيداع أمواله المراد استثمارها في حساب تلك الشركة ببنك باركليز بدبي، ولكن بحد أدنى ألف دولار، وبغير حد أقصى. فتعطيه الشركة أرباحا متغيرة شهريا على ذلك المبلغ، تتراوح بين حد أدنى 5.11% إلى حد أقصى 7.23% مع العلم أن الشركة توصلت لتحديد تلك النسبة المذكورة في سنة ما، ولتكن هذه السنة 2013 بناء على حسابات لمعدل أرباحها، وأدائها في السوق لأشهر السنة السابقة عليها 2012. وتنبه الشركة على العملاء بأنها تضمن 97% فقط من أموالهم المودعة، أي أنها توقف التعاملات أي تجمدها إذا حدثت خسارة وصلت إلى 3%(فيما يعرف بنظام إدارة المخاطر) لذلك فهي تحددها كنسبة خسارة محتمله، بشرط ألا تتعداها. وإذا جلب العميل من شخص إلى 9 أشخاص للتعامل مع تلك الشركة، فإنها تعطي العميل عمولة تقدر ب 5% من أرباحهم دون أن ينقص منهم شيء. وإذا وصل العدد إلى عشرة فأكثر، أو كان حجم الأموال المودعة يساوي مائة ألف دولار أو أكثر، بصرف النظر عن عدد الأشخاص، وصلت نسبة العمولة إلى 10% دون أن ينقص أيضا من أرباحهم وأموالهم شيء، سوى أن ذلك لا يمنع العميل من خلق عمولة وهمية من خلال قيامه بتقسيم أمواله المراد استثمارها إلى أكثر من جزء، وتصدير أشخاص آخرين ذوي ثقة لديه، وليكونوا إخوة له على أنهم أشخاص يريدون الاستثمار في تلك الشركة، وهو من عرفهم بها طمعا في العمولة. مع ملاحظة أن الشركة تتخذ الإجراءات اللازمة للتحقق من هوية الشخص، وعنوانه؛ لتوقع العقد باسمه، إلا أن ذلك لا يمنع (وأرجو من فضيلتكم الإفادة في حكم الشرع في ذلك الشق بالأخص وعدم تجاهله) وإذا أراد العميل التوقف عن التعامل مع تلك الشركة في أي وقت، فيمكنه سحب كامل أمواله وفوائدها ولو بعد يوم من إيداعه فيها (كالبنوك بالضبط) حتى إنها تتشبه بذلك الأخير بالنسبة للفائدة المركبة؛ فإنها تطبقها وذلك إذا ترك العميل الأرباح شهرا بعد شهر ولم يسحبها.
وجزاكم الله خيرا وآسف على الإطالة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العلاقة التعاقدية بينك وبين هذه الشركة، هي المضاربة، والتي هي: أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه, على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه، فيكون صاحب المال مشاركا بماله، والمضارب بعمله.
والمضاربة مع هذه الشركة فاسدة من وجوه متعددة، وبيان ذلك كما يلي:
أولا: يشترط في المضاربة أن تكون كيفية توزيع الربح معلومة علما نافيا للجهالة، ومانعا للمنازعة، متفقا عليه في البداية؛ لأن المعقود عليه هو الربح، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد، وأن يكون ذلك على أساس نسبة مشاعة من الربح لكل من رب المال، والمضارب، لا على أساس مبلغ مقطوع، أو نسبة من رأس المال، فمثلا: يتفق الطرفان على أن لأحدهما الثلث، أو النصف أو 20% من الأرباح، وليس من رأس المال، ولا يصح العقد إن كان الربح مجهولا غير محدد، ونلاحظ أن نسبة ما يستحقه كل من العميل والشركة من الأرباح غير محدد هنا.
ثانيا: قد يفهم قول الشركة بأنها تضمن للعملاء 97% من أموالهم المودعة أنه لو وقعت خسارة أكثر من 3% فإن الشركة تتحملها، وهذا يخالف شرطا من شروط المضاربة وهو أن الخسارة تكون على رأس المال.
قال ابن قدامة-رحمه الله-في المغني: والوضيعة في المضاربة على المال خاصة, ليس على العامل منها شيء; لأن الوضيعة عبارة عن نقصان رأس المال, وهو مختص بملك ربه, لا شيء للعامل فيه, فيكون نقصه من ماله دون غيره.
وقال رحمه الله: متى شرط على المضارب ضمان المال, أو سهما من الوضيعة, فالشرط باطل. لا نعلم فيه خلافا.
ويمكنك الرجوع إلى الفتاوى الآتية لمزيد من الفائدة حول شروط وضوابط المضاربة: 1873 ، 5480، 63918 ، 72143 ، 72779، 158449 .
ومن جهة أخرى فإن مضاربة هذه الشركة مقيدة في تجارة العملات في سوق الصرف الأجنبي الفوركس، والمتاجرة عن طريق نظام الفوركس تكتنفها محاذير شرعية، وعلى رأس هذه المحاذير ما يسمى بنظام المارجن، والذي يشتمل على (جمع بين سلف وسمسرة، وهذا محرم) ومن المحاذير كذلك ما يعرف بتبييت الصفقة، وهو قرض ربوي، بالإضافة إلى عدم التحقق من تطبيق ضوابط الصرف. غير أنه إذا أمكن اجتناب المحاذير المترتبة على المتاجرة عن طريق ذلك النظام سيما في الربويات، فالأصل جواز البيع والشراء؛ لقوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا {البقرة:275}.
وانظر الفتاوى أرقام: 130307 ، 174765 ، 181591 والفتاوى المربوطة بها.
وانظر في ضوابط الصرف هاتين الفتويين: 3702 ، 15672 .
والذي ننصح به هو البعد عن المتاجرة في ذلك المجال لكثرة المحاذير فيه؛ ولأنه لا يسلم غالبا إن لم نقل قطعا من الوقوع في المحاذير الشرعية كالربا، والغرر، والمقامرة وغيرها من الأمور المحرمة. فعلى المسلم أن يتجنب ما فيه ريبة، فقد روى الترمذي في سننه عن الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
وبالنظر لجميع ما تقدم فالذي نراه أنه لا يجوز التعامل مع هذه الشركة، وبالتالي لا يجوز أيضا أن يجلب العميل أشخاصا للتعامل مع هذه الشركة طمعا في العمولة؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم المحرم؛ قال تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {المائدة:2}.
والله أعلم.