السؤال
قبل سنوات في رمضان انقطعت الكهرباء عن القرية ولم نسمع المؤذن وتأخر الوقت، والسماء كانت بيضاء على بنفسجي، فقال لي أبي أفطري فقد أذن، وأصر على كلامه ـ والظاهر أن ذلك كان بعد الحلف، وأذكر أن أقاربنا قالوا إن المؤذن قد خرج، وفي يوم الثاني كنت أريد أن أتسحر ومسكت الفطيرة فلما فتحتها أذن، فقالت أمي كلي، فالمسجد الثاني لم يؤذن، فأكلت، فماذا علي؟ وهل علي صدقة؟ وقد مرت على هذا عدة رمضانات ولم أشك إلا قبل فترة، فماذا علي، مع العلم بوسوستي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر ـ والله تعالى أعلم ـ أنه لا إثم عليك فيما حصل منك، ولا قضاء عليك ما لم يتبين لك الخطأ، فإذا تبين فعليك القضاء سواء كان فطركم باجتهاد أم بتقصير، وذلك لما رواه مالك في الموطأ، والشافعي في الأم من طريق مالك: عن عمر بن الخطاب: أنه أفطر يوما في رمضان في يوم ذي غيم ورأى أنه قد أمسى وقد غربت الشمس, ثم جاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين قد طلعت الشمس, فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا ـ قال مالك: يريد بالخطب القضاء، ومثله قال الشافعي.
فلو كان يأثم بالفطر باجتهاد لما فعله، ولما قال: الخطب يسير، وقد اجتهدنا، فلما تبين لهم خطؤهم يقينا قضوا، والظاهر من سؤالك أنه لم يتبين لكم، ولا سبيل إلى ذلك الآن، فلا قضاء عليك ـ إن شاء الله.
وأما مسألتك الثانية، وهي أكلك بعد سماع أذان الفجر: فإن كان المؤذن الأول يؤذن قبل الوقت، فلا شيء عليك، لأن العبرة بطلوع الفجر الصادق لا بأذان المؤذن، لقول الله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر {البقرة:187}.
ولخبر الصحيحين: إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم. زاد البخاري: وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت.
وكذا إن شككت في أذانه مع دخول الوقت واستمر الشك ولم تتبين لك حقيقة الحال، قال صاحب المهذب: وإن أكل وهو يشك في طلوع الفجر صح صومه، لأن الأصل بقاء الليل.
قال النووي في الشرح: لو أكل شاكا في طلوع الفجر, ودام الشك ولم يبن الحال بعد ذلك, صح صومه بلا خلاف عندنا، ولا قضاء عليه.
وهو مذهب جمهور أهل العلم، لكن الأولى في هذه الحالة قضاء هذا اليوم احتياطا وخروجا من خلاف من أوجب الإمساك عن السحور عند الشك في طلوع الفجر والقضاء على من أكل شاكا فيه، قال صاحب الفواكه الدواني: وإن شك مريد السحور في الفجر فلا يأكل ولا يشرب ولا يفعل شيئا من المفطرات.
ثم ذكر أن من فعل ذلك فعليه القضاء، وهو مذهب الإمام مالك.
والله أعلم.