0 472

السؤال

معروف الآن أن أهل الكتاب هم من أنزل عليهم رسول من الله - كموسى و عيسى - فأهل الكتاب هم اليهود و النصارى, و بذلك يحل للرجل المسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية, ولكني سمعت من قريب أن أهل الكتاب هم بنو إسرائيل فقط؛ لأن موسى وعيسى أنزلوا لبني إسرائيل فقط, أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أنزل للعالم كله, فمن هم أهل الكتاب - جزاكم الله خيرا -؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الرسل لا يوصفون بالإنزال, بل يوصفون بالبعث والإرسال, والمنزل هو كتب الله, كالتوراة, والإنجيل.

ثم إن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، مهما كانت أنسابهم, ويدل لذلك كثرة النصارى في الروم والقبط، وهم ليسوا من بني إسرائيل. 

ومن المعلوم أن موسى - عليه السلام - وعيسى ابن مريم هما من أبناء إسرائيل - وهو يعقوب عليه السلام - ، وكانت رسالتهما إلى بني إسرائيل خاصة.

كما قال تعالى عن عيسى: ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله {آل عمران:49} قال البيضاوي: وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثته إليهم، أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم .اهـ.
وقال تعالى: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا. {الإسراء:2}

قال ابن تيمية: فإن الأنبياء من عهد موسى إلى المسيح إنما كانوا يبعثون إلى قومهم، بل عندهم في الإنجيل أن المسيح قال للحواريين: لا تسلكوا إلى سبيل الأجناس، ولكن اختصروا على الغنم الرابضة من نسل إسرائيل, وأما محمد بن عبد الله فهو الذي بعثه الله إلى سائر أجناس الأرض وطوائف بني آدم, وهذه البشارة مطابقة لقوله تعالى: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا, ولقوله صلى الله عليه وسلم: بعثت إلى الأسود والأحمر, وقوله: وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة. اهـ.

وخصوص رسالة النبي لا تمنع أن يكون له أتباع من غير قومه يجري عليهم ما يجري على من آمن به، ويدل لهذا وجود اليهود في الأقباط ممن آمنوا بموسي عليه السلام, فقد آمن به السحرة كما نصت عليه الآيات أنهم قالوا آمنا برب هارون وموسى كما في سورة طه، وقال في سورة الأعراف: قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون (لأعراف:122) وقد آمنت به زوجة فرعون كما قال الله تعالى: وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين {التحريم:11} وقد آمن به بعض آل فرعون كما قال الله تعالى: وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله {غافر:28} وآمنت به ماشطة ابنة فرعون وأولادها, كما رواه الحاكم, وصححه, ووافقه الذهبي.

والمهم أن جميع أتباع الديانتين: اليهودية والنصرانية يعتبرون أهل كتاب, وتجوز ذبائحهم, ونكاح نسائهم المحصنات عند جمهور أهل العلم بغض النظر عن أصلهم, أو كونهم من بني إسرائيل .. قال ابن عاشور في التحرير والتنوير عند قول الله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم {المائدة:5}، وشمل أهل الكتاب: الذميين، والمعاهدين، وأهل الحرب، وهو ظاهر، إلا أن مالكا كره نكاح النساء الحربيات .. وجمهور العلماء - قال - بجواز تزوج المسلم الكتابية دون المشركة والمجوسية، وعلى هذا الأئمة الأربعة والأوزاعي والثوري.

وجاء في منح الجليل عند قول خليل المالكي في المختصر: (ولو يهودية تنصرت وبالعكس) أي: ارتدت عن دين اليهودية إلى دين النصرانية .. (وبالعكس) أي: نصرانية تهودت .. والظاهر أن المجوسية أو الدهرية .. إذا تهودت أو تنصرت تحل.

وجاء في شرح المختصر للخرشي: "(قوله: ولو يهودية تنصرت) أي: أو مجوسية أو دهرية تنصرت أو تهودت لا العكس.

ومن الأدلة على أن أهل الكتاب شاملة لمن دخل في دينهم ما ثبت في عصر الصحابة من نكاحهم نساء العرب النصارى, فقد جاء في تفسير البغوي قال: تزوج عثمان رضي الله عنه نائلة بنت فرافصة، وكانت نصرانية فأسلمت تحته - وهي من أصل عربي وليست من بني إسرائيل - وتزوج طلحة بن عبد الله نصرانية، وتزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر - رضي الله عنه - خل سبيلها, فكتب إليه أتزعم أنها حرام؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
وقيل: إنه يدخل في أهل الكتاب من آمن بصحف إبراهيم أو بالزبور, ولكنه ضعيف أيضا فقد جاء في الموسوعة الفقهية: اختلف العلماء في المراد بأهل الكتاب: فذهب الحنفية إلى أن المراد بهم: كل من يؤمن بنبي ويقر بكتاب, ويدخل في ذلك اليهود والنصارى, ومن آمن بزبور داود - عليه السلام - وصحف إبراهيم - عليه السلام -, وذلك لأنهم يعتقدون دينا سماويا منزلا بكتاب, وذهب جمهور الفقهاء إلى أن المراد بهم: اليهود والنصارى بجميع فرقهم المختلفة دون غيرهم ممن لا يؤمن إلا بصحف إبراهيم وزبور داود, واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين} فالطائفتان اللتان أنزل عليهما الكتاب من قبلنا هما اليهود والنصارى, كما قال ابن عباس, ومجاهد, وقتادة ,وغيرهم من المفسرين, وأما صحف إبراهيم وداود فقد كانت مواعظ وأمثالا لا أحكام فيها, فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على أحكام, قال الشهرستاني: أهل الكتاب: الخارجون عن الملة الحنيفية, والشريعة الإسلامية, ممن يقول بشريعة وأحكام وحدود وأعلام ... وما كان ينزل على إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم السلام ما كان يسمى كتابا, بل صحفا. اهـ

وقد بينا كيفية التعامل مع أهل الكتاب في الفتاوى: 45005، 21533، 43136 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة