السؤال
هل يجوز الدعاء بالرحمة أو بالتثبيت عند الاختبار الخاص يوم القيامة, أو الدعاء لهم بالجنة, للكافر غير المحارب الذي مات ولم تبلغه دعوة الإسلام, أو جاءه الإسلام مشوها, أو سمع عن الإسلام كأي ديانة ولم تبلغه الحجة, أو كان من أهل الفترة ممن لم تقم عليهم حجة الإسلام؟ فالفتاوى التي قرأتها كانت تتحدث عن الكافر الذي علم أن الإسلام حق ولكنه كابر وعاند - كأبي إبراهيم, وعم محمد عليهم السلام, وغيرهم ممن عرفوا الحق ورفضوه, وليس ممن لم يعرفوا, أو عرفوه مشوها, وغير ذلك مما ذكرت أعلاه -فأرجو التوضيح - جزاكم الله خيرا -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خلط السؤال بين فريقين مختلفين الذي مات ولم تبلغه دعوة الإسلام، وبين من جاءه الإسلام مشوها, أو سمع عن الإسلام كأي ديانة ولم تبلغه الحجة:
فالذي لم تبلغه الدعوة كافر في أحكام الدنيا، ممتحن في أحكام الآخرة.
وبالتالي, يجوز سؤال التثبيت له؛ لعدم ورود النهي عن ذلك، ومثله سؤال الجنة، على معنى أن ينجح في سؤال الامتحان فيدخلها، راجعي الفتويين: 42857، 171719.
والذين لم تبلغهم الدعوة أفراد معدودة؛ كما في الحديث: ورجل مات في الفترة...، وأما البلد الكاملة, أو الأمة الكاملة، فلا تكون أهل فترة، قال تعالى: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير (24) {سورة فاطر}، وقال تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت {النحل:36}؛ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فيه أن الرسالة عمت كل أمة، وخص الدليل بعض الأفراد كما سبق.
وأما من سمع عن الإسلام كأي ديانة ولم تبلغه الحجة، أو بلغه مشوها، فهذا طالما سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمن به، فهو كافر مخلد في النار؛ روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، أو نصراني، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار. وسبق الجواب عن ذلك في الفتاوى: 172317، 68324، 59524.
وعليه, فلا يجوز الدعاء لهم بالرحمة، ولا التثبيت لأنه لا امتحان لهم أصلا، وراجعي للفائدة الفتاوى: 129740، 61369.
ولا ينبغي للعبد أن يظن أنه أرحم بهم من ربهم؛ تأملي قوله تعالى: يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا (45) {مريم} ؛ قال العلامة ابن عاشور: عبر عن الجلالة بوصف الرحمن؛ للإشارة إلى أن حلول العذاب ممن شأنه أن يرحم إنما يكون لفظاعة جرمه إلى حد أن يحرمه من رحمته من شأنه سعة الرحمة.
ولا يلزم أن يكون الواحد منهم لم تبلغه الحجة، بل قد يكون سبب شركه غير ذلك؛ قال تعالى: ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (106) ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين (107) {النحل}.
وقال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب (165) {البقرة}، روى الطبري عن الربيع، قال: هي الآلهة التي تعبد من دون الله، يقول: يحبون أوثانهم كحب الله "والذين آمنوا أشد حبا لله"، أي: من الكفار لأوثانهم. قال ابن زيد: أندادهم: آلهتهم التي عبدوا مع الله، يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله، والذين آمنوا أشد حبا لله من حبهم هم آلهتهم. انتهى
فهذا شرك المحبة، وهم مخلدون في النار، وليس كل كفر سببه الجهل بالله، أو بلوغ الدين مشوها.
والله أعلم.