سبب مخالفة الإمام أبي حنيفة لبعض الأحاديث

0 280

السؤال

أباح مذهب الحنيفية الزواج دون ولي للمرة مع أن الحديث واضح: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل، باطل، باطل ـ فما هي الأسباب والأدلة التي جعلت أبا حنيفة يفتي بمثل هذه الفتوى؟ وهل معنى الزواج الباطل أنه زنا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن جمهور العلماء على أن الولي شرط لصحة النكاح، وهذا القول هو الذي نفتي به في الشبكة الإسلامية، وقد بينا أدلة ذلك في الفتوى رقم: 5855.

وذهب الحنفية إلى صحة النكاح بلا ولي، و قد أجابوا عن أدلة الجمهور بأجوبة عدة، ونحن نسوق هنا كلام بعض أئمة الحنفية في هذا، جاء في تبيين الحقائق للزيلعي: نفذ نكاح حرة مكلفة بلا ولي ـ وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف في ظاهر الرواية، وكان أبو يوسف أولا يقول إنه لا ينعقد إلا بولي إذا كان لها ولي، ثم رجع وقال: إن كان الزوج كفؤا لها جاز وإلا فلا ثم رجع وقال: جاز سواء كان الزوج كفئا أو لم يكن، وعند محمد ينعقد موقوفا على إجازة الولي سواء كان الزوج كفئا لها أو لم يكن، ويروى رجوعه إلى قولهما، وقال مالك والشافعي: لا ينفذ بعبارة النساء أصلا، لقوله تعالى: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن {البقرة: 232} فلولا أن له ولاية التزويج لما منع عن العضل، وقال الشافعي: هي أبين آية في كتاب الله تعالى على اشتراط الولي، ولقوله عليه الصلاة والسلام: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ـ وقد رووا في كتبهم أحاديث كثيرة ليس لها صحة عند أهل النقل حتى قال البخاري وابن معين: لم يصح في هذا الباب حديث ـ يعني على اشتراط الولي ـ ولنا قوله تعالى: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن {البقرة: 234} وقوله تعالى: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن {البقرة: 232} وقوله تعالى: حتى تنكح زوجا غيره {البقرة: 230} وقوله تعالى: فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله { البقرة: 230} وهذه الآيات تصرح بأن النكاح ينعقد بعبارة النساء، لأن النكاح المذكور فيها منسوب إلى المرأة من قوله أن ينكحن وحتى تنكح، وهذا صريح بأن النكاح صادر منها، وكذا قوله تعالى: فيما فعلن {البقرة: 234} وأن يتراجعا{البقرة: 230} صريح بأنها هي التي تفعل وهي التي ترجع، ومن قال لا ينعقد بعبارة النساء فقد رد نص الكتاب، وقوله عليه الصلاة والسلام: الأيم أحق بنفسها من وليها ـ متفق على صحته، ولأنها حرة بالغة عاقلة فتكون لها الولاية على نفسها كالغلام وكالتصرف في المال، واستدلالهما بالنهي عن العضل لا يستقيم، لأنه نهي عن المنع عن مباشرتها العقد، فليس له أن يمنعها عن المباشرة بعدما نهي عنه، وهذا كمن يقول: نهيت عن قتل المسلم بغير حق فلو لم يكن لي حق القتل لما نهيت عنه، وهذا ظاهر الفساد لا يخفى على أحد، ومن الدليل على صحة مذهبنا أن المرأة لو أقرت بالنكاح صح، ولو لم يكن لها إنشاء العقد لما صح كالرقيق والصغار. اهـ.

وجاء في رد المحتار على الدر المختار: وأما حديث: أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل فنكاحها باطل ـ وحسنه الترمذي، وحديث: لا نكاح إلا بولي ـ رواه أبو داود وغيره، فمعارض بقوله صلى الله عليه وسلم: الأيم أحق بنفسها من وليها ـ رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ، والأيم من لا زوج لها بكرا أو لا فإنه ليس للولي إلا مباشرة العقد إذا رضيت، وقد جعلها أحق منه به، ويترجح هذا بقوة السند والاتفاق على صحته، بخلاف الحديثين الأولين فإنهما ضعيفان أو حسنان، أو يجمع بالتخصيص، أو بأن النفي للكمال، أو بأن يراد بالولي من يتوقف على إذنه أي لا نكاح إلا بمن له ولاية لينفي نكاح الكافر للمسلمة والمعتوهة والعبد والأمة. اهـ. 

ومن أوعب من تكلم من الحنفية في مناقشة أدلة الجمهور في هذه المسألة هو الطحاوي في شرح معاني الآثار، ولم ننقل كلامه لطوله، ومعنى: فنكاحها باطل ـ أن النكاح بلا ولي لا يصح، ويجب فسخه، والنكاح الباطل وإن كان محرما لكنه يفارق الزنا في أنه لا حد فيه، وأن الأولاد فيه ينسبون للزوج، علما بأن بعض الفقهاء يفرق بين الباطل والفاسد ويبني على ذلك بعض الأحكام، وانظر للفائدة الفتويين رقم: 181051، ورقم: 22652.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة