قال مازحًا: "أنا سأترك دين الإسلام في المستقبل" فما الحكم؟

0 300

السؤال

كنت مع أخي الصغير الذي يبلغ من العمر 17 عاما, وكنت أوجهه لأمور الدين والصلاة لقرب رمضان, ثم قال هو: أنا سأترك دين الإسلام في المستقبل, وكان يضحك, فسألته: لماذا قلت ذلك؟ قال: إنني أمزح, فقلت: قولك هذا حرام, ويعتبر من الاستهزاء, فما حكم ما قاله؟ وهل يأثم؟ علما أنه يقول: إنني أمزح فقط, ولم تكن نيتي أن أفعل ذلك, وماذا يفعل إذا كان ما قاله حرام؟ وهل يعتبر ردة عن الإسلام؟ وما الذي يفعله؟ وشكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمزاح بهذا الكلام منكر لا يجوز, ويجب البدار بالتوبة منه فورا, وإطلاق اللسان بالمزاح بمثل هذا يجر للاستهزاء بالدين وبالله الموقع في الكفر؛ لقوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طآئفة منكم نعذب طآئفة بأنهم كانوا مجرمين {التوبة:65-66}.

 وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 148823 أن من قال مختارا كلاما يعلم أنه كفر, قاصدا التلفظ به, غير مريد نقله عن غيره فهو كافر بذلك, ولو لم يقصد الكفر, ولذلك اتفق العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلا كفر بذلك، وقد قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في الكلام على قوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم: فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا, بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر, فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه, فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف, ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم, ولكن لم يظنوه كفرا, وكان كفرا كفروا به, فإنهم لم يعتقدوا جوازه. انتهى.
وقال ابن العربي - رحمه الله - في الكلام عليها ايضا: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو العلم والحق، والهزل أخو الباطل والجهل، فإذا حصل الاستهزاء بالله, أو بالرسول صلى الله عليه وسلم, أو بالدين من شخص عاقل غير مكره فإنه يكفر بذلك, ويعتبر ذلك ردة عن الإسلام ... اهـ
 وقد ذكر أهل العلم أن من عزم على الكفر في المستقبل فإنه يكفر حالا، قال الإمام الرملي في نهاية المحتاج: أو عزم على الكفر غدا - مثلا - أو تردد فيه أيفعله أو لا كفر. اهـ

وقال الإمام بدر الدين الزركشي في المنثور: لو نوى قطع الإسلام كفر بمجرد النية، وكذا لو عزم على الكفر غدا كفر في الحال. اهـ

وقال الطرابلسي الحنفي في معين الحكام: إذا عزم على الكفر - ولو بعد مائة سنة - يكفر في الحال. اهـ

 وقال النووي في المنهاج: الردة هي: قطع الإسلام بنية, أو قول كفر, أو فعل، سواء قاله استهزاء, أو عنادا, أو اعتقادا, فمن نفى الصانع, أو الرسل, أو كذب رسولا, أو حلل محرما بالإجماع, كالزنا, وعكسه، أو نفى وجوب مجمع عليه, أو عكسه, أو عزم على الكفر غدا, أو تردد فيه كفر, والفعل المكفر ما تعمده استهزاء صريحا بالدين, أو جحودا له, كإلقاء مصحف بقاذورة, وسجود لصنم أو شمس. انتهى.
وفي الفتاوى الهندية: وإذا عزم على الكفر, ولو بعد مائة سنة, يكفر في الحال, كذا في الخلاصة. اهـ.

وجاء في إعلام الموقعين لابن القيم: الكلام محمول على معناه المفهوم منه عند الإطلاق, لا سيما الأحكام الشرعية التي علق الشارع بها أحكامها، فإن المتكلم عليه أن يقصد بتلك الألفاظ معانيها, والمستمع عليه أن يحملها على تلك المعاني، فإن لم يقصد المتكلم بها معانيها, بل تكلم بها غير قاصد لمعانيها, أو قاصدا لغيرها أبطل الشارع عليه قصده, فإن كان هازلا, أو لاعبا لم يقصد المعنى ألزمه الشارع المعنى, كمن هزل بالكفر والطلاق والنكاح والرجعة....

والمكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته, بخلاف المستهزئ والهازل فإنه يلزمه الطلاق والكفر, وإن كان هازلا؛ لأنه قاصد للتكلم باللفظ, وهزله لا يكون عذرا له, بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور, مأمور بما يقوله, أو مأذون له فيه, والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود, فهو متكلم باللفظ, مريد له, ولم يصرفه عن معناه إكراه, ولا خطأ, ولا نسيان, ولا جهل, والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا, بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان, ولم يعذر الهازل, بل قال: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" وكذلك رفع المؤاخذة على المخطئ والناسي ... انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة