هل الأفعال التي تؤدي إلى تسهيل الأفعال الكفرية تعتبر كفرًا؟

0 488

السؤال

معلوم أن الرضى بالكفر كفر, ولا شك، وإعانة الرجل على الكفر كذلك كفر، وأريد أن أسأل عن من يعمل في بناء كنيسة مثلا، أو يبيع للنصارى صلبانا مثلا، أيكفر بذلك؟ وهل عدم منع بناء الكنيسة ـ لمن هو في مقام الحكم ـ يعد فعلا كفريا؟ وهل السماح بذلك البناء يعد كفرا؟ لا أسأل لمروري بمثل ذلك، ولكنني أسأل خوفا من أن أكفر إن اعتقدت أن هذا ليس بكفر وكان كفرا، وماذا عن الإعانة التي هي دون ذلك كأن يبيع للكافر جهازا وهو يعلم ـ أو يظن ـ أنه سيستعمله في أمور كثيرة تتضمن أن يكتب ما فيه دعاء لغير الله، أو أي فعل شركي؟ فقد طلب مني جدي يوما أن أعطيه ما به يفتح جهاز التلفزيون فكأني شعرت بإحراج وأقدمت على فعل ندمت عليه جدا يومها، فقد أعطيته ما به يفتح ذلك الجهاز، وكنت أعلم أن جزءا كبيرا من وقت مشاهدة جدي لذلك الجهاز أنه يشاهد به القنوات التي تعارض من يظهر أنه إسلامي فيما يتعلق بالسياسة وتهاجمهم، فهل ذلك كفر بالله عز وجل؟ ثم قد يحدث أن أحتاج لإغلاق ثم فتح جهاز توزيع شبكة الإنترنت إذا توقف جهازي عن الاستقبال، فهل إذا أغلقته ثم فتحته مرة أخرى ـ لأجل نفسي ـ يكون في ذلك كفر أو إثم؟ ووجه هذا السؤال أنني بفتح الجهاز أكون قد فتحته لي ولغيري, وأنا أعلم أن غيري ممن يستعمل الإنترنت وله آراء هي في الحقيقة كفرية ـ كمثل عدم تكفير من كفر الصحابة إلا عشرا، أو نحو ذلك ـ فأكون بفتحي للإنترنت بعد إغلاقي له أعنته على استعمال الإنترنت, ولا يمتنع - بل يحتمل جدا - أن يكتب على الإنترنت كلاما يؤيد به رأيه الباطل هذا؟ خصوصا أنه قد انتشر بين الناس كثرة الجدال دون الالتزام بكلام أهل العلم، فيحتمل أن يعبر صاحب هذه الآراء عن رأيه، وإذا طلب مني والدي حمل حقيبته التي تحوي جهازه، وأنا أعلم أن له آراء كالتي ذكرتها، وأعلم أنه قد يجادل عنها كثيرا؟ فهل الحمل للحقيبة إعانة على الكفر ويكون كفرا؟ أو على سبيل المثال طلب مني أحد أن أصلح له شيئا في جهازه، فهل إعانته تكون كفرا؟ السؤال طويل لكنه واحد في الأصل، فهل الأفعال التي تؤدي إلى تسهيل الأفعال الكفرية ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ يعتبر كفرا؟ وما هو الذي يحدد هل تلك الأفعال من الكفر أم لا؟ ولو كان الجواب أن كذا وكذا ليس بكفر، فماذا أفعل إذا خفت أن يكون شيء آخر كفرا؟ وأنا أعلم أن عندي وسوسة في هذا الباب وغيره، لكنني لا أقدر أن أحدد موضع الوسوسة من غيرها لأجتنب الوسوسة فقط, ولا أجتنب الأفكار الصحيحة, ولا أريد أن أكون مقصرا في السؤال والتعلم، كما لا أريد أن أكون كثير الأسئلة فأشغل الموقع الكريم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن رضا القلب بالكفر هو الذي يعد كفرا، وأما مجرد الإعانة على الكفر مع عدم الرضا به: فلا يصح الإطلاق بأنه كفر, وإنما هو محرم حتى يكون مع الإعانة رضى بالكفر، وخذ مثلا ما ذكره الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ في بناء الكنائس، حيث قال: أكره للمسلم أن يعمل بناء، أو نجارا، أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم.

فهذا البناء أو النجار لا شك أن في بنائه ونجارته نوع إعانة للكفار على كفرهم، ومع ذلك لم يكفره الشافعي، بل كره ذلك ـ أي حرمه ـ وقال السبكي - رحمه الله -: فإن بناء الكنيسة حرام بالإجماع، وكذا ترميمها، وكذلك قال الفقهاء: لو وصى ببناء كنيسة فالوصية باطلة؛ لأن بناء الكنيسة معصية، وكذا ترميمها، ولا فرق بين أن يكون الموصي مسلما، أو كافرا، وكذا لو وقف على كنيسة كان الوقف باطلا مسلما كان الواقف أو كافرا، فبناؤها وإعادتها وترميمها معصية مسلما كان الفاعل لذلك أو كافرا، هذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

فقد ذكر أن بناء الكنيسة معصية، وأن الحكم لا يتغير - مسلما كان الفاعل لذلك أو كافرا ـ فسماه مسلما، فكل ما ذكرته ـ أيها السائل ـ من صور فهي إما أنها لا تعد من الكفر إلا مع رضا القلب، أو أنها مجرد معصية والتكفير بها بعيد، أو أنها مجرد وساوس لا حقيقة لها.

وبالجملة, فسبب سؤالك وما أنت فيه هو الوسواس، فاتق الله في نفسك، واشغلها بما ينفعك عند الله تعالى، ولا تتبع خطوات الشيطان، وننصحك بالكف عن هذه الوساوس, وعدم التفكير في ما مضى منها، أو فيما يستقبل لسوء عاقبتها عليك، وإذا استمرت بك فاعرض نفسك على بعض الدعاة والمشايخ لمعالجتك, ونصحك بما ينبغي, وبيان المسألة لك بمزيد من الإيضاح، ونسأل المولى جل وعلا أن يمن عليك بالصحة والعافية، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة