ضاقت بي الدنيا وانقطعت بي السبل وأفكر في الانتحار فأرشدوني

0 216

السؤال

أعيش في الجحيم المسمى قطاع غزة، ومنذ ولادتي إلى اليوم لم أعش يوما جميلا، ولدت ولدي تشوه في قفصي الصدري، ودرست في الجامعة تخصصا لم أرغب فيه, وتخرجت وأشعر أنني لا أعلم ماذا درست، بحثت عن فرص عمل فلم أجد، وعائلتي لا تهتم بي أبدا، ويحتقرونني, وأشعر أنني مكروه ومنبوذ منهم ومن كل العالم، أكره نفسي وعائلتي والناس وكل شيء في هذا العالم، قدمت للعديد من المنح الدراسية للسفر والخروج من الجحيم الذي أنا فيه، ودعوت الله مدة أربع سنوات أن أخرج وأسافر، لكن الله لم يستجب لي، ودائما الأمور التي أدعو الله أن تنجح تفشل فشلا كبيرا، ومنها سفري، والإنس - حتى الجن - يكرهونني, وفي كل ليلة أنامها وإذ بأحلام وكوابيس شريرة تلاحقني، ودائما يأتيني ما يسمي بالجاثوم، وأنا الآن أفكر في الانتحار؛ لأنه ليس لي مكان في هذا العالم، أتمنى العيش في جهنم إلى الأبد ولا أعيش في هذا العالم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فاعلم ـ أيها السائل ـ أن الانتحار لن ينقلك إلى النعيم المقيم, ولن يريحك مما تعانيه من الضيق والكرب، بل سينقلك إلى شقاء وعذاب عظيم ـ نسأل الله العافية ـ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.

ونحن ندلك على ما هو خير لك من الانتحار: وهو الصبر على أقدار الله تعالى المؤلمة, والصبر معناه حبس النفس عن التسخط على أقدار الله تعالى, وأنت إذا صبرت نلت ـ إن شاء الله تعالى ـ ما وعد الله به عباده الصابرين, ويكفي الصابرين البشارة من الله تعالى حيث قال: وبشر الصابرين {البقرة: 155}.

وقال سبحانه: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب {الزمر: 10}.

فثواب الصبر مطلق غير محدود، وأجر الله تعالى لعباده الصابرين عظيم، فقد روى أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال البلاء بالمؤمن، أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة.

وإذا علمت أنك في دار اختبار وامتحان, وأن مدة العمر قصيرة, واستحضرت ذلك الثواب خف عنك ـ إن شاء الله تعالى ـ ما تجده من ألم الفقر والحرمان, وقد قال الله تعالى: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم {التغابن: 11}.

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ـ أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرا منه. اهــ.

وتذكر كيف أثنى الله تعالى على عبده أيوب لما صبر، فقال عنه: إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب {ص:44}.

فكن نعم العبد، ولا تكن بئس العبد, وينبغي لك أن تحسن الظن بالله تعالى, فلعله سبحانه لم يعطك ما سألته من الدنيا لكي يحميك منها، وقد جاء في الحديث في مسند أحمد مرفوعا: إن الله عز وجل ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحميه كما تحمون مريضكم من الطعام والشراب تخافونه عليه.

فاتق الله, وأحسن الظن به، واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة