السؤال
أعاني من اختناق النوم وانقطاع النفس ـ Sleep Apnea ـ وقد تم وصف جهاز ضخ الهواء الموجب المتواصل ـ CPAPـ أثناء النوم سواء ليلا، أو نهارا، أو ظهرا عند القيلولة، وبحسب ما علمت فإن استعمال الجهاز بحاجة إلى مرطب وما إلى ذلك، ونظرا لضخ الهواء المتواصل فإن ذلك يؤدي إلى جفاف الحلق ـ كالشوك ـ فهل هذا الجهاز في ضوء استخدام المرطب مفطر في شهر رمضان الفضيل؟ وشكرا جزيلا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن المعلوم أن كثيرا من مستجدات الطب الحديث قد وقع الخلاف بين أهل العلم المعاصرين في كونه مفطرا، وهذا ليس بمستغرب فقد وقع الخلاف قديما في أشياء أوضح منها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة: فهذا مما تنازع فيه أهل العلم... والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه. اهـ.
وقد عقدت عدة ندوات ومؤتمرات ومجامع فقهية لبحث هذه الأمور، ومن ذلك مسألة استعمال بخاخ الربو، وهو يستعمل عن طريق الفم، بخلاف الجهاز محل السؤال هنا فإنه يستعمل عن طريق الأنف، فهو أولى بالعفو من بخاخ الربو، الذي استظهرت اللجنة الدائمة للإفتاء عدم الفطر باستعماله، لأنه ليس في حكم الأكل والشرب بوجه من الوجوه، وبذلك أفتى الشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين وغيرهما، قال ابن عثيمين: استعمال هذا البخاخ جائز للصائم، سواء كان صيامه في رمضان أم في غير رمضان، وذلك لأن هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية، فتنفتح لما فيه من خاصية، ويتنفس الإنسان تنفسا عاديا بعد ذلك، فليس هو بمعنى الأكل ولا الشرب، ولا أكلا ولا شربا يصل إلى المعدة، ومعلوم أن الأصل صحة الصوم حتى يوجد دليل يدل على الفساد من كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس صحيح. اهـ.
وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي موضوع المفطرات للصائم، وعد في الأمور التي لا تعتبر من المفطرات: غاز الأوكسجين وغازات التخدير -البنج- ما لم يعط المريض سوائل ومحاليل مغذية، وما يدخل الجسم امتصاصا من الجلد، كالدهون والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية، أو الكيميائية، وتم تأجيل إصدار قرار في بعض الصور، للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة في أثرها على الصوم، ومن ذلك بخاخ الربو واستنشاق أبخرة المواد، وأما الندوة الفقهية الطبية المنعقدة لموضوع المفطرات فقد رأى أكثر المجتمعين أن قطرة العين، وبخاخ الأنف، وبخاخ الربو، من الأمور التي لا تعتبر مفطرة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 25751.
وهناك عدة أبحاث مفيدة في هذا الموضوع، نشرت في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، منها بحث: المفطرات في ضوء الطب الحديث ـ من إعداد الدكتور محمد هيثم الخياط، جاء فيه: يظهر من النصوص أن ثمة قدرا معفوا عنه، فلا شك في أن من يمضمض يبقى في فمه شيء من الماء الذي مضمض به مختلطا باللعاب، وهو لا شك مبتلعه، ولكنه لا يفطر بنص الحديث.. ولو مضمض المرء بماء موسوم بمادة مشعة، لاكتشفنا المادة المشعة في المعدة بعد قليل، مما يؤكد وجود قدر يسير معفو عنه، وهو يسير يزيد ـ يقينا ـ عما يمكن أن يتسرب إلى المريء من بخاخ الربو إن تسرب، أو من بخاخ الأنف أو قطرة الأنف إن تسربا، أو من القرص الذي يوضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية إن تسرب، أو من قطرة الأذن التي انثقب غشاء طبلتها إن تسرب، فلا مسوغ طبا وشرعا للقول بتفطير هذه الأشياء، لكون ما يصل منها إلى جوف المعدة ـ إن وصل ـ أقل بكثير من القدر اليسير المعفو عنه ـ إن شاء الله ـ وقل مثل ذلك في ما يصل إلى المعدة من الأنف إذا بالغ المرء في الاستنشاق، مما يدل على أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد صحيح: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ـ أنه عفو عن الأمر بالمبالغة في الاستنشاق، لا نهي عن هذه المبالغة، ولا نص على أنها تفطر، لا سيما وهو نهي بعد أمر, فإذا صح ذلك ـ وهو صحيح إن شاء الله ـ فإن ما قيس على هذا الحديث من مفطرات يغدو غير ذي موضوع، كذلك لا يرى كثير من الفقهاء حرجا في أن يذوق المرء الطعام ولا في أن يمضغ العلك اعتمادا على أقوال بعض الصحابة والتابعين، مع أن ذوق الطعام ومضغ العلك يوصل إلى المعدة قدرا يسيرا معفوا عنه ـ إن شاء الله ـ من الطعام أو الشراب. اهـ.
وأثر جهاز ضخ الهواء أقل من هذا وأيسر، حيث إن الترطيب فيه يعتمد على تشبيع الأكسجين بالماء، فالمستنشق على أية حال إنما هو غاز ليس له جرم، والحاصل أن استعمال هذا الجهاز عند الحاجة إليه لا يفطر على الراجح إن شاء الله تعالى.
والله أعلم.