حال الناس لو لم يأكل آدم عليه السلام من الشجرة

0 411

السؤال

أستغفر الله العظيم ابتداء. لو لم يعص إبليس ربه وسجد لآدم فهل كان سيختلف مصير البشرية - إما أن يبقوا بالجنة أو استخلفوا في الأرض بلا شياطين تضلهم سواء السبيل, أو حدوث أي أمر آخر -؟ وهل يملك المخلوق – إبليس - معصية خالقه أم أنها في النهاية مشيئة الخالق عز وجل بقيامه بهذه المعصية المفصلية في سيرة أبينا آدم؟ ولكم الشكر الجزيل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فاعلم أولا أن خروج آدم من الجنة لم يكن بسبب عدم سجود إبليس, وإنما كان بسبب أكل آدم من الشجرة التي نهي عن الأكل منها, وكونه أكل من الشجرة بسبب إغواء إبليس لا يعني أن عدم السجود هو السبب في الإخراج, بل أكل آدم - عليه السلام - ولذا جاء في صحيح مسلم أن آدم - عليه السلام - يقول للمؤمنين من ذريته يوم القيامة حين يطلبون منه أن يستفتح لهم باب الجنة: فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم. فلم يعتذر بإغواء إبليس, أو عدم سجوده.
وقد ذكر بعض العلماء أنه لو لم يقع ذلك من آدم لبقينا في الجنة كما يفهم من قول موسى - عليه السلام - حين احتج هو وآدم فقال موسى: أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. متفق عليه. وفي لفظ لأبي عوانة: فوالله لولا ما فعلت ما دخل أحد من ذريتك النار.
قال الحافظ في الفتح في شرح قوله: خيبتنا وأنه بمعنى حرمتنا: والمعنى أنه لو استمر على ترك الأكل من الشجرة لم يخرج منها, ولو استمر فيها لولد له فيها, وكان ولده سكان الجنة على الدوام، فلما وقع الإخراج فات أهل الطاعة من ولده استمرار الدوام في الجنة وإن كانوا إليها ينتقلون، وفات أهل المعصية تأخر الكون في الجنة مدة الدنيا, وما شاء الله من مدة العذاب في الآخرة, إما مؤقتا في حق الموحدين, وإما مستمرا في حق الكفار, فهو حرمان نسبي. اهــ
وقال أيضا: إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الإخراج من الجنة، ولو لم يقع الإخراج ما تسلط عليهم الشهوات, والشيطان المسبب عنهما الإغواء ... اهــ , وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - كما في اللقاء المفتوح: فلولا هذا ما عشنا في الأرض ولبقينا هناك ... اهـــ .
وقد روى الفريابي في كتابه القدر عن خالد الحذاء أنه سأل الحسن البصري - رحمه الله تعالى - قائلا: أرأيت لو اعتصم، فلم يأكل من الشجرة؟ قال: لم يكن له بد من أن يأكل منها؛ لأنه للأرض خلق . اهــ
ولا ينبغي للسائل أن يشغل نفسه وفكره بمعرفة تلك الحال التي لم تقع, بل الأولى له أن يصرف همته للعودة إلى الجنة, والنجاة من النار, فهذا خير له وأنفع .
وأما هل يملك إبليس معصية الخالق, فجوابه: إن الله تعالى مكن إبليس وسائر الخلق من الطاعة, ومكنهم من المعصية اختبارا وامتحانا, فمن عصى الله منهم فإنه يكون عصى باختياره وإرادته, ولا يلوم إلا نفسه, وإبليس لما أمره الله بالسجود كان بإمكانه أن يسجد, وبإمكانه أن يمتنع, فاختار الامتناع وأبى واستكبر, وهذا لا يعني أن معصيته لم تكن بقدر الله, بل كانت بعلم الله تعالى وإرادته وخلقه, والله تعالى لا يعصى قهرا, ولو أراد الله تعالى أن يحول بين إبليس والخلق جميعا وبين معصيته لما استطاع أحد منهم أن يعصيه تعالى, ولكنه مكنهم من ذلك اختيارا كما ذكرنا, وانظر الفتوى رقم: 150803عن كون القضاء والقدر لا يعني سلب إرادة الإنسان, والفتوى رقم:  8546 عن الحكمة من خلق إبليس والفتوى رقم: 97066 حول كلمة هادية في الإيمان بالقضاء والقدر.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة