السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤال حيرني كثيرا وهو: لماذا مع كثرة الدعاة والعلماء نجد أن أكثر بلدان العالم يسودها الجهل والشرك والتبرك بالقبور. هل لأن العلماء غيروا من نوعية الدعوة ؟ هل العلماء لم تخلص دعواتهم ؟ هل أثرت فيهم عوامل الاستعمار ، وغيرت منهجهم كما غير اليهود النصرانية ؟ لمـــاذا لم ينهــج العلمــاء نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة - أمثال : الأئمة الأربعة، ومن بعدهم كأحمد والبخاري وأصحاب السنن و... سمعت أحدهم يقول : تلك طرق قديمة بالية ونحن الآن في عصر الحضارة، عصر السياسة فقط أما العلم الرباني فقد ذهب ؟؟؟ أنا آسف أطلت في الأسئلة ولكنها بالفعل أسئلة كثيرة تحتاج لإجابة ، أتوقع أن الموضوع واحد . ولكم جزيل الشكر . والسلام عليكم،،،
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن الدعوة إلى الله تعالى فريضة عظيمة، وفضيلة وقربة إلى الله تعالى، قال سبحانه: ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [آل عمران:104].
وقد حرم الله تعالى كتمان العلم، وأمر بالنصح والبيان، فقال: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون* إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم [البقرة:159-160].
فالواجب على العلماء القيام بهذه الفريضة حق القيام، ولهم في ذلك من الله الأجر العظيم، لما في الدعوة إلى الله من النفع والخير للبلاد والعباد.
كما أن الواجب أيضا الأخذ بالدين كله، فلا يؤخذ بجزء منه على حساب جزء آخر.
هذا ومع اعتبار الشمولية في الدعوة، لا بد من مراعاة الأولويات، بالأخذ بالأهم فالمهم، إذ أن التدرج أصل أصيل في منهج الدعوة، لاسيما الدعوة إلى تصحيح المعتقد عند وقوع الخلل فيه، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن معاذا رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة....... الحديث.
فأولى ما ينبغي أن يهتم به الدعاة هو تصحيح العقيدة، ونشر السنة، وإماتة البدعة، وتحذير الناس من صور الشرك المنتشرة لما في ذلك من الخطر العظيم على عقائدهم، كما قال الله: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار [المائدة:72].
ولا شك أننا نرى جهودا طيبة لأهل العلم وطلبته في النصح والبيان، والدعوة والتبيان، وهي جهود مشكورة إلا أنها دون المطلوب بكثير مقارنة بما عم وانتشر من الجهل والفساد، مما يستوجب مضاعفة الجهود.
هذا هو شأن الدعوة إلى الله، وأما السياسة، فهي جزء من الدين ووسيلة من وسائله، إذا كانت تستند إلى نصوص الشرع وقواعده، فالعلم الرباني هو مصدرها، فلا تثبت دعوى التعارض بينهما، كما أن الإسلام لم يحجر على الناس في باب الوسائل، إذ الأصل فيها الجواز ما لم تشتمل على محظور شرعي. ولا شك أن الوسائل متجددة، فيؤخذ منها ما يخدم هذا الدين، ويعمل على تبليغه للخلق كما أمر الله تعالى.
والله أعلم.