النظرة الشرعية في معرفة أحوال الأشخاص وصفاتهم عن طريق لغة الجسد

0 734

السؤال

أنا الحمد لله شاب ملتزم، وأعلم أن طلب العلم سواء كان العلوم الشرعية أو العلوم الدنيوية له فضل كبير، وأنه هدف من الأهداف التي يحث عليها الدين الإسلامي. فلا أحب أن أضيع وقتي وخاصة إذا كنت في إجازة، فأحاول أن أتعلم بعض العلوم الشرعية (كالفقه) والعلوم الدنيوية(كالتنمية البشرية). وأيضا أقرأ كتبا في الطب؛ لأني طالب في كلية الطب.
عند ما بدأت أقرأ في كتاب عن علم (لغة الجسد) وهذا الكتاب يساعدك في فهم الشخص الذي أمامك، فهو يتكلم عن الحركات التي تحدث لا إراديا عندما تكون في محادثة مع شخص معين على سبيل المثال (هز الكتفين) قد يدل على أن هذا الشخص لا يعلم...أو لا يفهم ما تقول الخ.
أو يمكن أن يجعلك تكشف الشخص الذي أمامك إذا كان يكذب أم لا عن طريق حركات جسمه التي تحدث لا إراديا، كالطفل الذي عمره 5 سنوات عندما يكذب فسوف يضع يديه فوق فمه، أو يمكن أن يضع يديه خلف الظهر. ولكن المشكلة هنا في جزء من أول أجزاء الكتاب كان في صفحتين تقريبا، يتكلم المؤلف عن أن العرافين كانوا يكتشفون بعض صفات أو انطباعات الشخص الذي أمامهم عن طريق لغة الجسد، مع أنهم أول مرة يقابلون هذا الشخص. وقص قصة تخيلية تدخل فيها بخيالك على المكان الذي يكون فيه الكاهن، وشكل الكاهن والبيئة التي يعمل فيها من دخان، وكرة الزجاج، والطقوس الغريبة المتعلقة بالعرافين أو الكهان، وكان هذا الكاهن يقول عن الشخص الذي من المفترض أنه أنت في القصة التخيلية يقول له: أنت تريد تحقيق بعض أحلامك، ولكن في بعض الأحيان تخاف من ألا تتحقق... تكون معاملاتك مع الناس كذا وكذا.... ولم أكن في كل تركيزي في هذا الكلام لأني كنت متضايقا.
وقال المؤلف بعد هذه القصة: إن هذا الصفات التي قالها العراف في القصة التخيلية أظهرت الدارسات أنها تعتبر دقيقة بنسبة 80 % لأي شخص يقرؤها. تضايقت عندما بدأت أقرأ في هذا الجزء، وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كذب المنجمون ولو صدقوا)
ولم أصدق هذا الكلام.
الآن أريد أن أعرف هل هذا يقع في حكم الذهاب إلى العرافين مع عدم تصديقهم؟
وهل لن تقبل مني صلاة 40 يوما، مع أني لم أصدق هذا الكلام، ولم أتذكر منه إلا القليل؛ لأني خائف جدا، وأشعر أن صلاتي لن تقبل بسبب هذا.
آسف جدا على الإطالة لكن الموضوع فعلا يشغل بالي.

الإجابــة

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فلا تجوز قراءة ما فيه دعوة صريحة أو غير صريحة إلى الاغترار بالكهان، لا سيما إذا مزج فيها حق بباطل، مما قد يلبس على القارئ، فيؤتى من حيث لا يدري.

أما ما يسمى لغة الجسد، فقد يعتمد فيها على علم الفراسة.

قال تعالى: ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم {محمد:30}.  

والفراسة: قدرة على معرفة بعض الأحوال الباطنة ببعض العلامات الظاهرة.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: قال صاحب "المنازل" رحمه الله: الفراسة: استئناس حكم غيب، والاستئناس: استفعال من آنست كذا، إذا رأيته. فإن أدركت بهذا الاستئناس حكم غيب كان فراسة. وإن كان بالعين كان رؤية. اهـ.

أما ما قرأته في ذلك الكتاب فنحن لا نعلم تفاصيله للحكم عليه، فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

لكن بعد التأمل في كلامك ظهر لنا - والله أعلم - أن في هذا الكتاب دعوة - صريحة أو غير صريحة - إلى الاغترار بالكهان، والإعلاء من شأنهم وقدر ما عندهم. وقد قال عنهم  النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم ليسوا بشيء. كما سيأتي. 

فإذا صدق ذلك المنجم المذكور في معرفة أحوال من أمامه، فقد يكون ذلك باستعمال الفراسة الخلقية، وهو نوع من أنواع الفراسة كما ذكر ابن القيم رحمه الله، وهو علم يشترك في معرفته المؤمن والكافر، البر والفاجر، ويغتر به كثير من الجهلاء.

أما قولك: (وقال المؤلف بعد هذه القصة إن هذه الصفات التي ذكرها العراف في القصة التخيلية، أظهرت الدرسات أنها دقيقة بنسبة 80% لأي شخص يقرؤها). فهذه دعوى من المؤلف لم يذكر البينة عليها، ولا يصدق مثل ذلك بمجرد دعوى، فكيف والأمر على خلافه يقينا؟ فإن ما يذكره لو انطبق كله على كل من يقرؤه، لتشابه كل الناس أو أكثرهم في صفاتهم وطباعهم، وهذا خلاف المشاهد؛ فإن الناس أجناس كثيرة. لكنه قد يذكر أمورا كلية يشترك فيها كل الناس أو أكثرهم، كالذي في قولك: (فيقول له: أنت تريد تحقيق بعض أحلامك، ولكن في بعض الأحيان تخاف من ألا تتحقق)، فهذا أمر يشترك فيه أغلب الناس إن لم يكن جميعهم، فما من أحد إلا وله طموحات وأماني يريد تحقيقها ويخشى فواتها، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، وسواء كانت من أمور الآخرة أم من حطام الدنيا. قال تعالى: ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون {الحجر:3}، وقال: وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله {الحديد:14}.

وأما إن كان يريد أن الكاهن يقول ذلك لمن هو أمامه، كقوله عن بعض العرافين: (كان يكتشف بعض صفات أو انطباعات الشخص الذي أمامه عن طريق لغة الجسد مع أنه أول مرة يقابل هذا الشخص)، فهذا لو صح حمل على حذق ذلك العراف المعين في علم الفراسة الخلقية أو علم النفس، وجودة ذهنه وحدة ذكائه، ومثل هذا يمكن أن يكون للكافر والفاجر، كما مر، فكثير من الكفار والفجار الحذاق يكون لهم ذهن حاد يستعملونه في التعلم، ويتميزون في ذلك العلم وتلك المهنة، وليس ذلك موجبا لاتباعهم والاغترار بهم وإعلاء شأنهم؛ بل قد يكون ساذجا تافها في كل ما عدا ما حذق فيه. ولا يبعد أن يكون هذا الكاهن ممن يتعامل مع الجن فيأخذون له أخبار من أمامهم من خلال قرينه أو غيره، فإن هذا من عمل الكهان بنص الشارع، فيستعمل هذا الكاهن هذا تارة وهذا تارة، ثم يدعي هو أو المؤلف أنه كله بواسطة علمه بلغة الجسد. هذا إن صح ما ادعاه المؤلف من حنكته.
 وأما عبارة: (كذب المنجمون ولو صدقوا) فليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها صحيحة المعنى موافقة لما جاء في الحديث عن عائشة: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليسوا بشيء قالوا: يا رسول الله؛ فإنهم يحدثون أحيانا الشيء يكون حقا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الجن يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة. متفق عليه. والتنجيم نوع من الكهانة، كما قال القاضي عياض فيما نقله عنه النووي وغيره. 

أما مجرد قراءة قصص العرافين من غير قصد الأخذ عنها فليست داخلة في حديث مسلم: من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة؛ فإن ذلك لمن أتاهم فسألهم، ومن في حكمه. لكن لا يخفى ما في قراءتها من الفتنة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مجرد إتيانهم؛ قال: فلا تأتوا الكهان، وقال: إنهم ليسوا بشيء. وأما قراءتها لتعلم الكهانة فتحرم كما هو معلوم. وكذلك قراءتها ليقيس القارئ كلامهم على حاله ونفسه، فإنه مثل إتيانهم وسؤالهم، فمثل هذا يدخل في الوعيد. 

قال صالح آل الشيخ في التمهيد بشرح كتاب التوحيد: وإذا قرأ هذه الصفحة وهو يعلم برجه الذي ولد فيه، أو يعلم البرج الذي يناسبه، وقرأ ما فيه، فكأنه سأل كاهنا، فلا تقبل له صلاة أربعين يوما، فإن صدق بما في تلك البروج، فقد كفر بما أنزل على محمد، وهذا يدلك على غربة التوحيد بين أهله... فإنه يجب إنكار ذلك على كل صعيد وأن لا يؤثم المرء نفسه، ولا من في بيته بإدخال شيء من الجرائد التي فيها ذلك في البيوت؛ لأن هذا معناه إدخال للكهنة إلى البيوت، وهذا- والعياذ بالله- من الكبائر، فواجب إنكار ذلك وتمزيقه والسعي فيه بكل سبيل حتى يدحر أولئك؛ لأن أهل التنجيم وأهل البروج هم من الكهنة. انتهى.

والظاهر أنك لما قرأت هذا الكلام قرأته تبعا؛ لا تعلم ما فيه، فلما رأيته كرهته ودفعته ولم ترضه، فلست داخلا في الوعيد على إتيانهم على أي تقدير إن شاء الله تعالى. بل إن تركك إياه هو الصواب في كل ما اشتبه عليك وارتبت فيه ولم يبن لك أمره، وخشيت دخوله في التحريم. كما في الحديث: إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه.

فما كان بين الحرمة كتعليم السحر، والكهانة، والعرافة ومدح أهلها، وجب تركه وإتلافه، وما كان مشتبها يرتاب في أمره فحري أن يجتنب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وهذا الأحسن أن تتلفه؛ لئلا يقع في يد من يغتر بما قد يكون فيه، ولك في غيره من كتب الفراسة ولغة الجسد ما يغنيك عنه إن شاء الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة