السؤال
أنا طبيب أسنان متخصص في مجالي كنت أعمل في بلد عربي وكان يأتينا تحويل من أطباء اخصائيي تقويم الأسنان لمرضى لنقوم بقلع أسنان معينة ضمن خطة علاجهم، فتم تحويل مريضة صغيرة العمر لي لقلع بعض الأسنان لها, فاستدعيت طبيبها المختص ليؤكد الأسنان التي يجب قلعها، وفعلا قام بذلك، وبعد التأكد من الصورة الإشعاعية قمت بقلع السنين المطلوبين وهما أسنان لبنية، لكنني شككت في إحدى الأسنان والذي يتشابه جدا في هذا العمر بين اللبني والدائم، وبعد ذهاب المريضة هي وأبيها قمت بالتأكد من الصورة الإشعاعية والمعلومات ليزيد شكي بأنه تم تحديد وقلع السن الخطأ فاتصلت بطبيبها المختص وأبلغته بأنه حدد لي سنا خاطئة لقلعها وبعد أن تأكد قال لي إنه قرأ صورة الأشعة بشكل خاطئ، وأنه سيتابع الموضوع ويعمل الإجراءات المناسبة ولا داعي لإخبار أبي المريضة، وبعد كل هذه السنوات مازلت أشعر بالذنب, لذا أرجوكم كل الرجاء أن تفتوني وتبلغوني ما علي فعله؟ فماذا يجب أن أفعل الآن؟ وهل كل الذنب علي؟ وهل يجب علي دفع التعويض أم على المؤسسة التي اشتغلت بها؟ وإن كان علي دفع التعويض فما قيمته في وقتنا الحالي؟ وكيف أدفعه؟ ولمن؟ حيث إنني لا أعلم إن كان بإمكاني الاتصال بأهل المريضة فأنا لا أعمل في نفس البلد منذ سنين ولا أعلم أيضا هل علموا بما حدث.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا إثم عليك إذا كان الشك حصل بعد الانتهاء من العلاج، كما قال تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}.
ومن ثم لا تتعلق بك مسؤولية الآخرة، ولكن يلزمك ضمان ما نشأ عن خطئك للقاعدة المعروفة عند الفقهاء: إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر، ذكرها صاحب الأشباه والنظائر من الحنفية وغيره، وقال ابن قدامة في المغني: ومتى اجتمع المباشر مع المتسبب كان الضمان على المباشر دون المتسبب. انتهى.
وبناء عليه، فتلزمك دية السن وهي خمس من الإبل، روى النسائي وأبو داود والدارمي وأحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في الأسنان: خمس من الإبل. وفي رواية: في الأسنان: خمس، خمس.
وهذا إذا لم ترجع السن كما كانت، فإن رجعت كما كانت فقد اختلف أهل العلم في لزوم الدية فيها وعدم لزومها، قال ابن قدامة في المغني: فإن قلع سنه فردها صاحبها فنبتت في موضعها لم تجب ديتها، نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد، وهذا قول أبي بكر، وعلى قول القاضي تجب ديتها وهو مذهب الشافعي، وعند المالكية مثل الشافعي.
قال خليل: وإن قلعت سن فنبتت فالقود، وفي الخطأ كالخطأ.
يعني أن نباتها لا يسقط حق المجني عليه في أخذ عقلها، ومذهب الأحناف في هذا مثل مذهب المالكية والشافعية، لذا نرى الأخذ به أولى.
ثم إنه اذا لم يمكن التعرف على أهل البنت والوصول إليهم أو إلى ورثتهم، فيمكن أن تتصدق بها عنهم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لو حصل بيده أثمان من غصوب وعواري وودائع لا يعرف أصحابها، فإنه يتصدق بها عنهم، لأن المجهول كالمعدوم في الشريعة، والمعجوز عنه كالمعدوم، وفي هذه المسألة آثار معروفة مثل حديث عبد الله بن مسعود لما اشترى جارية ثم خرج ليوفي البائع الثمن فلم يجده، فجعل يطوف على المساكين ويقول: اللهم هذه عن صاحب الجارية، فإن رضي فقد برئت ذمتي، وإن لم يرض فهو عني، وله علي مثلها يوم القيامة، وحديث الرجل الذي غل من الغنيمة في غزوة قبرص وجاء إلى معاوية يرد إليه المغلول، فلم يأخذه، فاستفتى بعض التابعين فأفتاه بأن يتصدق بذلك عن الجيش، ورجع إلى معاوية فأخبره فاستحسن ذلك، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن: 16} والمال الذي لا نعرف مالكه يسقط عنا وجوب رده إليه، فيصرف في مصالح المسلمين، والصدقة من أعظم مصالح المسلمين، وهذا أصل عام في كل مال جهل مالكه بحيث يتعذر رده إليه كالمغصوب والعواري والودائع تصرف في مصالح المسلمين على مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم. اهـ.
والله أعلم.