حديث الذباب لا تعارض بينه وبين العذر بالإكراه

0 221

السؤال

دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب، قال: ليس عندي شيء أقربه، قالوا له: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل، فضربوا عنقه، فدخل الجنة ـ رواه أحمد، الرجل الأول في الحديث ألم يكن مضطرا؟ فلماذا دخل النار؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 98868، أن الحديث المذكور في السؤال أعل بعلل تقدح في صحة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: فالحديث في النفس منه شيء من أجل هاتين العلتين، ثم للحديث علة ثالثة، وهي أن الإمام أحمد رواه عن طارق عن سلمان موقوفا من قوله، وكذا أبو نعيم وابن أبي شيبة فيحتمل أن سلمان أخذه عن بني إسرائيل. اهـ كلامه.

وهذا الذي ذكره الشيخ من أنه موقوف على سلمان ـ رضي الله عنه ـ وأنه أخذه من الإسرائيليات هو الذي صححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله تعالى ـ في السلسلة الضعيفة، حيث قال: وبالجملة فالحديث صحيح موقوفا على سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ إلا أنه يظهر لي أنه من الإسرائيليات التي كان تلقاها عن أسياده حينما كان نصرانيا. اهـ.

ثم على القول بصحة الحديث مرفوعا فإنه لا تعارض بينه وبين العذر بالإكراه، لأن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة دون الأمم السابقة، بل كانوا مطالبين بالصبر ولهم الجنة، كما حصل للذي لم يقرب الذباب, قال الشنقيطي في أضواء البيان في تفسير قوله تعالى عن أصحاب الكهف: إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ـ أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة، لأن قوله عن أصحاب الكهف: إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ـ ظاهر في إكراههم على ذلك وعدم طواعيتهم، ومع هذا قال عنهم: ولن تفلحوا إذا أبدا ـ فدل ذلك على أن ذلك الإكراه ليس بعذر، ويشهد لهذا المعنى حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه مع الإكراه بالخوف من القتل، لأن صاحبه الذي امتنع أن يقرب ولو ذبابا قتلوه، ويشهد له أيضا دليل الخطاب، أي: مفهوم المخالفة في قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ـ فإنه يفهم من قوله: تجاوز لي عن أمتي ـ أن غير أمته من الأمم لم يتجاوز لهم عن ذلك، وهذا الحديث وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديما وحديثا بالقبول، وله شواهد ثابتة في القرآن العظيم والسنة الصحيحة، وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ـ في سورة الكهف، في الكلام على قوله: إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ـ الآية, ولذلك اختصرناها هنا، أما هذه الأمة فقد صرح الله تعالى بعذرهم بالإكراه في قوله: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ـ والعلم عند الله تعالى. اهـ كلامه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة